يحفل التاريخ الإسلامى بالعديد من الأحداث لعل أبرزها صراع أبناء العمومة، العباسيين والعلويين، فبعدما كان الجميع فى صف واحد ضد الأمويين، فجأة انقلب الحال بعدما وصل العباسيون إلى الحكم، فقد شعر العلويون بالخدعة، ووقعت بين الطرفين العديد من المعارك منها:
خروج محمد بن النفس الزكية
اسمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، ولد فى سنة 100 هجرية، وقد استاء محمد (الملقب بالنفس الزكية ) وندد بسياسة العباسيين الذين غدروا بأبناء عمومهم، وتجاوزوا كل وعودهم، فاكتسب بذلك تأييدًا شعبيًا كبيرًا، وقد ساعده فى هذا مكانته التى كانت تستقطب الاحترام والثقة، وخاف أبو جعفر المنصور من تفاقم ثورته، فاستنفر كل أجهزته للقبض عليه، فلم يصل إلى نتيجة، لأن محمدًا توارى عن الأنظار خوفاً من أن تُجهض حركته فى مهدها.
وفى سنة 140هـ قدم المنصور إلى المدينة، وجمع بنى هاشم، وسألهم عن النفس الزكية، فكانوا يعتذرون إليه ويستعطفونه ويقولون له "يا أمير المؤمنين قد علم أنك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل اليوم، فهو يخافك على نفسه، وهو لا يريد لك خلافاً ولا يحب لك معصية".
وفى سنة 144هـ وفى موسم الحج، ساق المنصور أسرة محمد النفس الزكية وهم مكبلون بالأغلال إلى الكوفة على إبل بدون وطاء، وهناك حشدهم فى سجن مظلم، كانوا لا يعرفون فيه الليل من النهار.
أمام الواقع المأساوى الذى أصاب آل الحسن، وأمام الإلحاح الشديد من الأنصار بإعلان الثورة، خرج محمد النفس الزكية من مخبئه فى أول رجب سنة 145هـ، وفاجأ الناس والوالى العباسى بالظهور، وتقدم بموكب من مائتين وخمسين مقاتلاً إلى سجن المدينة، وفتحوا أبوابه أمام السجناء المظلومين، ثم طافوا الشوارع وهم يهتفون بشعارات الثورة والتنديد بالعباسيين.
وانتهت المسيرة إلى دار مروان حيث كان يعتصم والى المدينة رباح بن عثمان، فاقتحموه، واستولوا على بيت المال، وقبضوا على رباح وأودعوه السجن، ثم اعتلى النفس الزكية المنبر وخطب الناس، محدداً أهدافه بحرب الطاغية المنصور، واستصدر من "مالك بن أنس" فتوى تجيز للناس التحرر من بيعة المنصور إلى مبايعة النفس الزكية، وقد برر ذلك قائلاً: "إنما بايعتم مُكرَهين، وليس على كل مكره يمين".
وتحرك أبو جعفر المنصور ناحية المدينة وحاصرها العباسيون من ثلاث جهات، تاركين جهة حرة لمن يرغب فى الانسحاب أو الاستسلام، وبدأت المعركة وقتل محمد النفس الزكية على يد (قحطبة بن حميد) والذى فصل رأسه بسيفه، وقدمه إلى "عيسى بن موسى" الذى أرسله بدوره إلى المنصور، والذى أمر بأن يُطاف به فى شوارع الكوفة.
مقتل زيد بن على
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "ثم دخلت سنة ثنين وعشرين ومائة"
فيها كان مقتل زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وكان سبب ذلك أنه لما أخذ البيعة ممن بايعه من أهل الكوفة، أمرهم فى أول هذه السنة بالخروج والتأهب له، فشرعوا فى أخذ الأهبة لذلك.
فانطلق رجل يقال له: سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر نائب العراق فأخبره - وهو بالحيرة يومئذ - خبر زيد بن على هذا ومن معه من أهل الكوفة، فبعث يوسف بن عمر يتطلبه ويلح فى طلبه.
فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن على فقالوا له: ما قولك يرحمك الله فى أبى بكر وعمر؟
فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتى تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا.
قالوا: فلم تطلب إذا بدم أهل البيت؟
فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة.
قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذا؟
قال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، وإنى أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وإحياء السنن وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل.
فرفضوه وانصرفوا عنه ونقضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا: الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا: الزيدية.
وغالب أهل الكوفة منهم رافضة، وغالب أهل مكة إلى اليوم على مذهب الزيدية، وفى مذهبهم حق، وهو تعديل الشيخين، وباطل وهو اعتقاد تقديم على عليهما، وليس على مقدما عليهما، بل ولا عثمان على أصح قولى أهل السنة الثابتة، والآثار الصحيحة الثابتة عن الصحابة، وقد ذكرنا ذلك فى سيرة أبى بكر وعمر فيما تقدم.
ثم إن زيدا عزم على الخروج بمن بقى معه من أصحابه، فواعدهم ليلة الأربعاء من مستهل صفر من هذه السنة.
فبلغ ذلك يوسف بن عمر، فكتب إلى نائبه على الكوفة وهو: الحكم بن الصلت يأمره بجمع الناس كلهم فى المسجد الجامع، فجمع الناس لذلك فى يوم الثلاثاء سلخ المحرم، قبل خروج زيد بيوم.
وخرج زيد ليلة الأربعاء فى برد شديد، ورفع أصحابه النيران وجعلوا ينادون: يا منصور يا منصور، فلما طلع الفجر إذا قد اجتمع معه مائتان وثمانية عشر رجلا.
فجعل زيد يقول: سبحان الله !! أين الناس؟
فقيل: هم فى المسجد محصورون.
وكتب الحكم إلى يوسف يعلمه بخروج زيد بن علي، فبعث إليه سرية إلى الكوفة، وركبت الجيوش مع نائب الكوفة، وجاء يوسف بن عمر أيضا فى طائفة كبيرة من الناس، فالتقى بمن معه جرثومة منهم فيهن خمسمائة فارس، ثم أتى الكناسة فحمل على جمع من أهل الشام فهزمهم، ثم اجتاز بيوسف بن عمر وهو واقف فوق تل، وزيد فى مائتى فارس ولو قصد يوسف بن عمر لقتله، ولكن أخذ ذات اليمين، وكلما لقى طائفة هزمهم.
وجعل أصحابه ينادون: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى الدين والعز والدنيا، فإنكم لستم فى دين ولا عز ولا دنيا.
ثم لما أمسوا انضاف إليه جماعة من أهل الكوفة، وقد قتل بعض أصحابه فى أول يوم.
فلما كان اليوم الثانى اقتتل هو وطائفة من أهل الشام فقتل منهم سبعين رجلا، وانصرفوا عنه بشرِّ حال.
وأمسوا فعبأ يوسف بن عمر جيشه جدا، ثم أصبحوا فالتقوا مع زيد فكشفهم حتى أخرجهم إلى السبخة، ثم شد عليهم حتى أخرجهم إلى بنى سليم، ثم تبعهم فى خيله ورجله حتى أخذوا على المسناة ثم اقتتلوا هناك قتالا شديدا جدا، حتى كان جنح الليل رمى زيد بسهم فأصاب جانب جهته اليسرى، فوصل إلى دماغه، فرجع ورجع أصحابه، ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا لأجل المساء والليل.
وأدخل زيد فى دار فى سكة البريد، وجيء بطبيب فانتزع ذلك السهم من جبهته، فما عدا أن انتزعه حتى مات فى ساعته رحمه الله.
فاختلف أصحابه أين يدفنونه، فقال بعضهم: ألبسوه درعه وألقوه فى الماء.
وقال بعضهم: احتزوا رأسه واتركوا جثته فى القتلى.
فقال ابنه: لا والله لا تأكل أبى الكلاب.
وقال بعضهم: ادفنوه فى العباسية.
وقال بعضهم: ادفنوه فى الحفرة التى يؤخذ منها الطين ففعلوا ذلك، وأجروا على قبره الماء لئلا يعرف.
وانفتل أصحابه حيث لم يبق لهم رأس يقاتلون به، فما أصبح الفجر ولهم قائمة ينهضون بها، وتتبع يوسف بن عمر الجرحى هل يجد زيدا بينهم، وجاء مولى لزيد سندى قد شهد دفنه فدل على قبره فأخذ من قبره، فأمر يوسف بن عمر بصلبه على خشبة بالكناسة، ومعه نضر بن خزيمة، ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، وزياد النهدي.
ويقال: إن زيدا مكث مصلوبا أربع سنين، ثم أنزل بعد ذلك وأحرق، فالله أعلم.
موقعة فخ فى مكة
هى معركة خطيرة وقعت يوم (8 من شهر ذو الحجة 169 هـ - 11 يونيو 786م)، بالقرب من مكة بمكان يسمى فخ، حدثت المعركة بين الجيش العباسى فى مواجهة ثوار من العلويين بزعامة الحسين بن على (العابد) بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب، وكان مع الحسين هذا من بنى عمومته إدريس وسليمان ويحيى أبناء عبد الله الكامل ساندا وشاركا فى الثورة والحرب ونجوا من المعركة، وشارك معهم سليمان بن عبد الله الرضا وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا و استشهدا.
وفخ هو وادٍ بمكة، قتل به الحسين بن على (العابد) يوم التروية سنة 169 ه وقتل معه جماعة من أهل بيته، وتعرف فخ باسم حى الشهداء.
بعد مقتل الإمام الحسين بن على بن أبى طالب، ابن بنت رسول الله، فى معركة كربلاء، وفشل ثورة محمد النفس الزكية، وفشل ثورة أخيه إبراهيم، قامت حركات أخرى لعلويين فى اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها مثل ما أصاب ما قبلها من ثورات، وعاش من بقى من آل البيت العلوى فى هدوء، وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والى المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت العلويين حيث أساء التعامل معهم، وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة فى نفوسهم، وأشعل الحمية فى قلوبهم، فثار بعض العلويين فى المدينة بقيادة الحسين بن على بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى العلوي، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه.
ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسى موسى الهادى، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى، فيعجز عن إيقافها، فتحرك الجيش العباسى إلى مكة، والتقى بالثائرين، وانتهت المعركة بهزيمة جيش الإمام الحسين بن على واستشهاده هو وجماعة من أصحابه.