تمر اليوم ذكرى ميلاد الكاتب البرتغالى الكبير فرناندو بيسوا، (13 يونيو 1888– 30 نوفمبر 1935) وهو شاعر وكاتب وناقد أدبى، ومترجم وفيلسوف، يوصف بأنه واحد من أهم الشخصيات الأدبية فى القرن العشرين، وواحد من أعظم شعراء اللغة البرتغالية.
امتلأت حياة بيسوا بتقلبات وأحداث كثيرة تركت أثارها فى شعره وحياته، فقد ولد الشاعر ـ كما جاء فى ''شذرات من سيرة'' كتبها المهدى أخريف توطئة للكتاب يوم 13 يونيو عام 1888 فى الطابق الرابع من المنزل رقم 4 بساحة سان كارلوس فى لشبونة وتوفى يوم 30 نوفمبر 1935 فى لشبونة أيضا. عاش طفولته الأولى مع والديه ومع جدته لأمه، ديونيسيا، التى كانت تعانى من نوبات جنون تتميز بعدوانية شديدة العنف. لقد عاين، وهو طفل، العديد من الأزمات الحادة لجدته تركت فيه آثارا عميقة، وجعلته يعانى منذ فترة مبكرة الخوف من الجنون، قبل أن يصبح هو نفسه عرضة لنوبات هستيرية حادة بين الفينة والأخرى، نوبات سماها هو ''الموجات السوداء''. والد بيسوا: خواكيم سيبرا بيسوا، كان موظفا ذكيا ومثقفا وله اهتمام بالنقد الموسيقى فى ''يومية الأخبار''، وقد نشر بحثا صغيرا عن فاجنر.
أما أمه، ماريا مادالينا نوغيرا، فقد درست فى معهد إنجليزى وكانت على ثقافة أدبية فنية وموسيقية واسعة، أعلى بكثير مما كان متوفرا لنساء عصرها، وكانت تتحدث وتكتب بتمكن تام، بالفرنسية والإنجليزية وعلى معرفة بالألمانية واللاتينية، كما كانت تؤلف أشعارا نيورومانطيقية متوائمة مع تلك الحقبة. لكن التأثير الحاسم فى التكوين الأول لبيسوا يعود إلى جدته لأمه ماريا وكانت امرأة مثقفة، شكاكة دينيا، ارستقراطية وملكية وذات مواهب أدبية أفضل من أمه، وقد كانت هى دون غيرها من حمله على كتابة أشعاره الأولى.. ثم مات أبوه.
ومن أشهر كتب "بسوا" كتاب اللاطمأنينة، ويقول المهدى أخريف، مترجم الكتاب "كتاب اللاطمأنينة" كتاب فريد كل الفرادة فى بنيته ومحتواه غير قابل للتجنيس والتصنيف الأدبى رغم أنه إبداع أدبى قبل أى شيء آخر، بل يملك من عناصر العمق والجدة الأدبيين ما يزيد على اللزوم. لأنه نص مزدوج الهوية. نثرى فى بنيته الأسلوبية المتعدّدة الأنماط، ما بين السرد والتأمل والتداعيات والاستبطانات.
وفى الوقت نفسه عبارة عن شذرات مأهولة بروح الشعر وأنفاسه السارية فيه مسرى الدم فى أوردة الكائن الحي. ففيه تتبدى الشذرات النثرية معبّأة بقوة شعرية تجاوز الشعر إلى قول ما لا ينقال. بنيته العامة بنية متاهية وهو ما قد يتعارض مع الاستعارة التى يوردها إدمون عمران المليح فى تقديمه للكتاب عندما يجعله أشبه بالمعبر الضيّق الذى يقود إلى جَبل. ذلك أن تأويل المتاهة يسمح لنا باعتبار المعبر الضيّق نفسه منفتحا لا يقود إلى أى أعلى وإنما إلى الهاوية وحدها.
وإذا كان إدمون عمران المليح يرى فى نهج الكتاب وروحه ما يستدعى بعض النصوص التصوفية الكبرى فى التقليدين الإسلامى واليهودى مثل مواقف النفرى ونصوص القبالة اليهودية على سبيل الاستئناس فإن المنحى الميتافيزيقى لـ"كتاب اللاطمأنينة" وبنيته العامة لا يكشفان لنا سوى بعض الوشائج الواهية بين التجربة الصوفية فى روحيتها ومرجعيتها الغيبية وبين التجربة البيسوية فى روحها العدمية اللادنيوية.