صدرت مؤخرًا المجموعة القصصية "مقتل الرجل الصغير" للكاتب الصحفى رامي سعيد عن سلسلة "إبداعات" إحدى سلاسل مشروع النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وتتكون المجموعة من تسع قصص تضم: "مسعدة، سكينة معجون، القرية القاتل أهلها، مقتل الرجل الصغير، الوباء، غير مطابق للمواصفات، حديث المطر، شارع الأضواء الباهتة، على هدى المجاذيب".
عندما تقرأ هذه المجموعة القصصية تجد نفسك تتساءل مع أول قصة بها، ماذا لو كان يوسف شاهين بيننا إلى هذا اليوم ووصلت له هذه القصة؟ هل كان سيشهد العالم عملا فنيا جديدا مثل باب الحديد! هذا الفيلم الدرامى الذى تم إنتاجه في عام 1958 وتدور قصته حول قناوى بائع الجرائد الأعرج الذى يعانى من عدم اتزان نفسى وسط هلاوسه وخيالاته الجنسية التي يتم اسقاطها على هنومة، حيث ينقل لنا رامى سعيد الروح ذاتها عندما يجعل من مسعدة المتأخرة عقليا بطلة لقصته وينقل لنا رغباتها التي تعدت كونها خيالات إلى فعل تمارسه علنا مع زينهم.
هنا مسعدة من تترك زينهم في النهاية ولا تتمسك به، لينتصر لفكرة أعمق بكثير من حقيقة الرغبات التي تشكل جزءًا من كل شخص منا، وهو الأمر الذي وصفه الكاتب قائلا عن احتياج مسعدة الأهم: "حاجة أكبر وأعقد من الجنس.. حاجة أشبه بالاختباء والاحتماء في كيان شخص، في الذوبان في شيء أكبر من ذاتها ومشاعرها وإدراكها".
تنتقل بعد قصة مسعدة بين صفحات المجموعة وأنت أكثر فضولا لطبيعة الشخصيات في القصص الأخرى، متسائلا هل سيستمر الكاتب في طرح قصصه بشكل سلس ومختلف؟ هذا ما تمكن رامى من فعله حقا، يحملنا من فكرة لفكرة دون ترك مساحة لعقلنا بالتوقف عن التفكير أو لمشاعرنا بالامتناع عن التفاعل، فمع قصة سكينة معجون ترى في عبد المولى قيمة إنسانية أصبحت أقل وجودا وتفهما من الكثيرين وهى "التسامح" الذى ترفضه زوجته على أنه يبدو كنوع من الضعف، إلا أن سماحة قلب عبد المولى تواجه واقع القسوة والافتراء، ثم تتفاعل مع حالة أخرى مختلفة تماما مع قصة الوباء التي تعكس لنا عذاب بطلها "شيبة" وهو على قيد الحياة وكذلك عند موته، لتكتشف أن الوباء الحقيقي ليس فيروس أو جائحة، ولكن سوء في النفوس وحياة بائسة وواقع قاسى.
لعل المشترك في العديد من القصص هو موت شخصياتها في النهاية، فالكاتب متأثر بفكرة الموت، فتحدث تارة عن الموت المفاجئ وما يحيط به من مشاعر كما في قصة سكينة معجون، وتارة عن قتل الذات مثلما فى مقتل الرجل الصغير، وأخيرا عن القتل كجريمة عنيفة تخلو من الرحمة والإنسانية بين سطور "القرية القاتل أهلها".
ومن جانب آخر، انغمس رامى سعيد وراء تفسير "العالم الحسى الغامض"، كما وصفه، الذى يكمن فيه الجنس، فتحدث عن المحرومين منه وتبعات هذا الكبت على روحهم، والمستعيضين عنه بممارسة العادة السرية، والمدمنين له، وغير القادرين على القيام به، في محاولة لجمع جميع المشكلات المتعلقة به، ولكنه مع ذلك لم يصف علاقة واحدة سليمة بين قصصه وكأنه لم يحاول كشف غموضه فقط لمجتمع متكتم، ولكنه أيضا أراد أن يتحدث عن العوار الذى يصيبه للسبب ذاته، فكيف لأمر أن يكون صحيا وسليما دون مناقشته وفهم طبيعته.
وعندما تنتهى المجموعة القصصية التي لا تتعدى المائة صفحة، لا تنتهى بداخلك الأسئلة، فما هو مميز حقا بشأن هذه القصص هو المعادلة الصعبة التي حققها الكاتب من خلال الدمج بين فلسفة دوستويفسكي الروحية والتفاصيل المفعمة بالأحداث والجرائم، وبين مدى واقعية تشيخوف في نقل جوانب من الحياة العادية تستدعى الوقوف والتأمل.