تمر اليوم الذكرى الـ217 على تنصيب محمد علي باشا واليًا على مصر رسميًا وذلك بعد ثورة الشعب والعلماء على الوالي العثماني خورشيد باشا، وذلك فى 18 يونيو عام 1805م، هو مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 إلى 1848، ويشيع وصفه بأنه "مؤسس مصر الحديثة".
وبحسب كتاب " تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر" تأليف عمر الإسكندري وسليم حسن، يعتبر خسرو باشا الوالي الجديد على الديار المصرية من أشهر رجال الترك في القرن الثالث عشر، وكان ذا حُظْوة عظيمة لدى السلطان، وقد خاصم محمد علي مدة نصف قرن كان في أثنائها عدوه المبين لأسباب سنذكرها في موضعها. وكان من الذين يعتد برأيهم في جسام الأمور ومعضلات السياسة كما سيجيئ، ولا يعزى فشله في مصر إلى قلة الذكاء والشجاعة، بل لأنه ابتدأ حروبًا داخلية في وقت كانت فيه خزانته خلوا وجيشه غير مدرب، على قوة عظيمة من فرسان المماليك الذين كان في قبضتهم خيرات البلاد وفيضُها.
فلما أراد "خسرو" مطاردتهم ونزْع البلاد من أيديهم، ظهرت كل هذه العقبات أمامه، فضلا عن أنهم القابضون على أزمة الأحكام في المديريات، فأصبح القصد إذن من حربه لهم انتزاع البلاد من قبضتهم؛ فأرسل لذلك «طاهر باشا» قائد الألبانيين بجيش كان نصيبه الخيبة والفشل، وطارده عثمان بك البرديسي قائد المماليك من الوجه القبلي إلى الوجه البحري حتى ساحل البحر.
ولما وصلت أخبار هذه الهزيمة إلى خسرو أعد مددا أرسله بقيادة محمد علي، وكان ممن نال ثقة خسرو في هذا الحين، إلا أن عثمان بك بادر إلى مناجزة الجيش التركي قبل أن يصل إليه المدد الذي كان يقوده محمد علي، وبدد شمله.
فلما علم خسرو بالهزيمة الثانية وجَّه لومًا إلى الألبانيين وخاصة إلى محمد علي، وأراد أن يحاكمه على تقصيره أمام مجلس عسكري، وكان غرضه بذلك اغتياله، فامتنع محمد علي عن الحضور، ومن هذا العهد ابتدأت بذور العداوة تنبت بين هذين الرجلين؛ تلك العداوة التي فتت في عضد الدولة ومزَّقت أحشاءها كلَّ ممزق.
وبعد الهزيمة الأخيرة أبت عساكر الترك الحرب كل الإباء لتأخر رواتبهم، وثاروا وحاصروا الخزانة ونهبوا وسلبوا القاهرة، فاعتصم خسرو بالقلعة، وأصلى العصاة منها نار حامية، فأراد إذ ذاك طاهر باشا قائد فرقة الألبانيين — وعددهم 5000 — أن يتوسط بين خسرو والعصاة، فأبى خسرو وساطته، فانضم إلى العصاة عليه، ولما لم يجد خسرو لديه حينئذٍ جندًا تحميه ولَّى هاربًا إلى دمياط، وبقي بها ينتظر فرصة يسترد بها ما فقده.
ولما علم طاهر بذلك جمع رءوس العلماء وأشراف العاصمة وشاورهم في الأمر، فرضُوا أن يكون نائبًا عن الوالي عليهم، فأعلن أنه هو الحاكم على مصر حتى يولِّيَ الباب العالي خلفًا لخسرو باشا، وذلك في (صفر 1218هـ/مايو 1803)، وكان من سوء طالع طاهر باشا أنه وقع في نفس الحيرة التي وقع فيها خسرو؛ إذ لم يمكنه دفع مؤخر رواتب الجند، وبعد 22 يومًا من قبضه على زمام الأحكام تألَّب عليه الجند، واغتاله ضابطان — موسى أغا وإسماعيل أغا — بعد أن تظلَّما له من تأخير رواتب الجنود.
فأصبح محمد علي — بعد هرب خسرو وقتل طاهر — رئيس الأجناد غير المماليك من الأرناءوط وغيرهم؛ لأن رتبته في الجيش كانت تلي رتبة طاهر باشا، ولأنه كان محبوبا لدى العلماء والأهالي لما كان يبديه من العطف والحنان عليهم، فحاز رضاهم بدفاعه، وكاد يعلن نيابته عن الوالي لولا أن رأى مركزه لا يقل خطرًا عن مركز طاهر؛ لعدم قدرته على دفع مؤخر رواتب الجند، وعلى مقاومة خسرو باشا والمماليك معا بمن كان تحت إمرته من الألبانيين؛ فرأى أنه من الحكمة والكياسة أن ينضم إلى عثمان بك البرديسي هو ومن معه، فتحالفا ونصَّبا إبراهيم بك الكبير نائبًا عن الوالي العثماني، لكبر سنِّه ومكان احترامه عند المماليك، وطردوا الإنكشارية من مصر.