انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسماؤهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسماءهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية محمد حسن الشجاعى، والذى له شارع يحمل اسمها بالقاهرة.
محمد حسن الشجاعى، هو عملاق الموسيقى الشامخ وأحد رواد الموسيقى التصويرية فى السينما المصرية، وهو الفنان الذى أكد بالتطبيق العملى أن الموسيقى بشكلٍ عام والتصويرية منها بشكلٍ خاص هى لغة الأحاسيس غير المنطوقة التى تنقل إلى المُتلقى دفقة شعورية عالية تجعله يعيش وسط أجواء الحدث، وتنشأ علاقة متشابكة بين الصورة والجمل الموسيقية التى تظل عالقة بذهن المُشاهد فعندما يسمعها مُنفردة يستدعى بذاكرته أحداث ولقطات الفيلم مباشرة.
ولد محمد حسن السجيعى، وشهرته محمد حسن الشجاعى فى 7 سبتمبر عام 1899، بقرية أبو الغر مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، حيث ولد وحيدًا وتوفى والديه وهو مازال صغيرًا، حصل على دبلوم المعهد العالى الصناعى بطنطا، لكنه لم يستهوه العمل بهذا المؤهل، فقرر أن يحول هوايته منذ نعومة أظافره بعشق الموسيقى لتكون مهنة مفضلة ومحببة له، فبدأ حياته الموسيقية عازفًا على آلة (الترومبيت) فى فرقة موسيقى الجيش، ثم انتقل بعدها لفرقة الأوركسترا الخاصة بالقصر الملكي.
كانت البداية الحقيقية للموسيقار حسن الشجاعي، عندما ترك فرقة الموسيقى الملكية فى عام 1921، وانتقل إلى الحياة المدنية ليعمل عازفًا بالفرق الأجنبية التى كانت منتشرة بالقاهرة، والفرق الاستعراضية الوافدة على مصر فى مسارح "الكورسال والأوبرا"، ودرس الموسيقى على يد الموسيقار باخو رئيس فرقة موسيقى الراى وقتئذ، وفى هذه الأثناء التحق بالقسم العالى بـ “معهد بوجرين للموسيقى”، حتى حصل الدبلوم العالى للتأليف الموسيقى فى عام 1934، وبعدها التحق بوزارة المعارف "التربية والتعليم حاليًا"، للعمل كمدرس لمادة الموسيقى بالمعهد الصناعى بدمنهور، وفى عام 1939 عين مفتشًا للموسيقى بوزارة المعارف، ثم مفتشًا عامًا للنشاط الموسيقى بنفس الوزارة.
وعندما تم إنشاء الإذاعة المصرية فى عام 1934، وتولى الموسيقى مدحت عاصم شئون الموسيقى بها، بدأ يبحث عن الكوادر المؤهلة التى تعاونه فى إنشاء ذلك القسم، وكان أول من خطر على باله فى هذا الشأن هو صديقه محمد حسن الشجاعي، فأخذ يبحث عنه وعرف أنه يعمل مدرسًا للموسيقى فى مدينة دمنهور فاتصل به.
ومنذ عام 1934 بدأ الشجاعى العمل فى الإذاعة بنظام الأجر مقابل العمل، وقام بتأسيس أول أوركسترا عربى كانت إحدى دعامات الإذاعة المصرية عند افتتاحها، وكان يقدم من خلالها المؤلفات الموسيقية العالمية والمؤلفات الموسيقية المصرية المتطورة التى كانت تجمع بين سلاسة اللحن العربى وبين العلم والفن والأوركسترا التى كانت نواة لأوركسترا الإذاعة، وكانت تضم 65 عازفًا، التى أصبحت بعد ذلك أوركسترا القاهرة السيمفوني، وقد قام الشجاعى بقيادتها طوال الفترة منذ عام 1934 وحتى عام 1952، واستطاع أن يشق طريقه بعزم وقوة تصل إلى عازفيه، وكان أول وأكفأ مايسترو عربى فى عصره يسيطر بشكل كامل على جميع عازفى الأوركسترا ليخرج منه وحدة فنية متكاملة مدركًا تمامًا وظيفة كل آلة فى نسيج اللحن، وقد قدم الموسيقى على الهواء مباشرة فى الإذاعة عقب صلاة الجمعة بانتظام.
ثم تولى الشجاعى الإشراف على مراقبة الموسيقى والغناء فى الإذاعة عام 1952، فأنشأ فرقة ثانية للإذاعة، هى الفرقة الشرقية، وقد ضمت هذه الفرقة 35 عازفًا، وتخصصت فى الألحان الشرقية.
وفى أول يوليو 1955 عين فى الإذاعة المصرية مستشارًا فنيًا للموسيقى والغناء، ثم عين رئيسًا للجنة الاستماع الغنائي، فكان بمثابة صمام الأمان على الذوق المصرى الذى منع أى أصوات ليست لديها الموهبة من ممارسة هذا الفن الرفيع.
اشترك الشجاعى فى تأسيس "المسرح الغنائى المصري" فى عصره الذهبي، إذ أعاد تسجيل أوبريتات لكل من سيد درويش، وإبراهيم فوزي، وكامل الخلعي، وداود حسنى وغيرهم. كما قام بتدريس مادة التذوق الموسيقى فى الجامعة الشعبية ومعهد الفنون المسرحية.
لقد تنوعت مواهب الشجاعى الموسيقية بين العزف وقيادة الأوركسترا والتأليف الموسيقي، فقد قام بتأليف الموسيقى التصويرية للكثير من الأفلام السينمائية منذ أن كانت صامتة، كما قام بتأليف عدد كبير من المؤلفات الموسيقية التى تجمع فى مضمونها بين تاريخنا القديم وتاريخنا الحديث، نذكر منها على سبيل المثال: اخناتون، صلاح الدين، أرض الوطن، وادى الملوك.
ومن أشهر الأفلام التى وضع موسيقاها التصويرية: "دنانير، عايدة، سلامة فى خير، سى عمر، مصنع الزوجات، غرام وانتقام، عنتر وعبلة، روميو وجولييت"، ورحل عن عالمنا فى يوم محمد حسن الشجاعى فى 12 يونيو عام 1963، بعد أن أثرى الحياة الموسيقية المصرية بالكثير من الأعمال الرائعة.