ولد محمد عفيفى مطر فى محافظة المنوفية عام 1935 فى قريته "رملة الأنجب" وعاش 75 عاما لم يكن يظن أبدا أنه سيعيشها، بعدما حفظ عن أبيه مقولة أن رجال عائلته لا يتجاوزون أبدا الـ 68 عاما لكنه فعلها وعاش 7 سنوات أكثر، حيث توفى في 28 يونيو 2010.
لم يكن محمد عفيفى مطر مجرد شاعر يكتب القصيدة ويلقيها فى المحافل والندوات الثقافية، بل كان صاحب موقف رضى أن يدفع ثمنه دائما، وقد فعل وتم اعتقاله فى 1991 عقب معارضته لحرب الخليج الثانية، إذ تظاهر ضد الحرب على العراق، وعبر مطرعن طرف منها فى ديوانه "احتفاليات المومياء المتوحشة" الذى صدر عام 1992.
تخرج "مطر" فى كلية الآداب -قسم الفلسفة- جامعة عين شمس، حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الشعر عام 1989، وجائزة العويس فى عام 1999، بينما حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2006.
ومن أعماله "احتفالية المومياء المتوحشة، فاصلة إيقاعات النمل، رباعية الفرح، أنت واحدها وهى أعضاؤك انتثرت، يتحدث الطمى، والنهر يلبس الأقنعة، شهادة البكاء فى زمن الضحك، كتاب الأرض والدم، رسوم على قشرة الليل، الجوع والقمر، ملامح من دفتر الصمت، من مجرة البدايات" وغيرها.
رأيتُها في صكوكِ الإرثِ مكتوبة
سِفْراً من الإنسان والإزميل
والحجرِ
رأيتُها من شقوق الصيفِ
مسكوبة
غاباتِ أيدٍ ترعرعُ في دم الشجرِ
وأَوْجُهاً من حميم الطمي مجلوبة
منسوجة بالفروع الخُضَر والثمرِ
وأعظُماً غالبتْ أكفانَها، انقلبتْ
فراشةً حمراءَ مخضوبة
بالنار والغيم والرَّهَج الدوّارِ في
السفرِ..
كانت صكوكُ الإرثِ مختومة
بخاتم ملتهبٍ وأحرفٍ مشويّة
وكان في أطرافها من سلّة الأيامْ
زخرفةٌ كوفيّة
وأَثَرُ القوافلِ المغبرَّةِ الأعلامْ
والزحمةُ التي تشبهُ عشَّ البومة
وطرّةُ السيّافِ والإمامْ
والصرخةُ المكتومة !
حين تقصّفتْ أصابعي ويبستْ
مفاصلُ الراحلة الملعونة
وقفتُ في الصحراء تحت الشمسْ
أنتظرُ الطغراءَ والأوامرَ الميمونة
كي أستطيع الهمسْ .
وقفتُ في الصحراء واجماً مُقنَّعاً
أنظر جِلْدَ الأرضْ
مستبدلاً منتسخاً مرقَّعا
وكلما ثبّتتِ الشمسُ رماحَها
الحمراءَ في جمجمتي
قطعتُ رحلةَ الوقوفِ بالقراءة..
أُخرج من غيابة العباءة
صحائفَ الإرثِ المقدّسة
وكلما تخرّقتْ سطورُها
بالأَرَضة
تهدّمتْ مدينةٌ على رؤوس
ساكنيها
أو سقطتْ تحت نعال الروم
قلعةٌ أو مملكة
أو زحفتْ حدودُنا وسوّرتْ
مواطىءَ الأقدامْ .
لو أن هذي الشجرة
لم تجدلِ الجذورَ للأعماقْ
لو أنها لم تطبخِ الضوءَ بجوفها
وتغزل الأوراقْ
لما تملّكتْ شبراً على مملكة
الصعوِد والهبوطْ
تمتدّ فيه أو تطرح ظلَّها المنقوشَ
بالزَّهَرْ..
أراكِ يا غزالةً بريّة
تنتظرينني خلال كلِّ جبلٍ بجوف
كل شجرة
وتركضين في الغمامة المسافرة
لو نبتتْ أصابعي المقصوفة
لكنتِ - يا غزالتي البريّة -
صبيّةً فتيّة
تمنحُني كعكتَها المقدّسة
وشالَها المهدودبَ المنقوطَ
بالسنابلِ الحمراءْ..