هل سمعت من قبل عن كتاب بعنوان "ضجيج الكون من لبس البنطلون" لـ سالم بن جندان، وهو كتاب أول مرة أسمع عنه من صفحة الزميل "محمود عبد الرزاق" وقد دفعنى ذلك للبحث عن الكتاب.
ولم نعثر سوى عن مقدمة الناشر للكتاب، وفيها:
الحمد لله ذى الجلال والإكرام، والفضل والطَّوْل والمنن الجِسام، الذى هدانا للإسلام، وأسبغ علينا جزيل نعمه وألطافه العظام، وأفاض علينا من خزائن ملكـه أنواعاً من الإنعام، وكرَّم الآدميِّين وفضَّلهم على غيرهم من الأنام، واختار من جمعيهم حبيبَـه وخليلَه، وعبده ورسولـه محمداً صلى الله عليه وسلم، فمحـا بـه عبادة الأصنام، وأدحض به آثار الكفر، ومعالم الأنصاب والأزلام، واختصه بالقرآن العزيز المعجِز، وجوامع الكلام، فبيَّن ﷺ للناس مـا أُرسـل بـه من أصـول الديانـات والآداب، وفـروع الأحكام، وغير ذلك مما يحتاجون إليه على تعاقب الأحوال والأعوام.
أما بعد:
فإن موضوع التشبُّه ـ من حيث عمومه ـ من المواضيع المهمة فى الإسلام، والتى أخذت حيِّزاً واسعاً عند الأعلام.
والتشبُّه نوعان: منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم.
فالتشبُّه المحمود: كتشبُّه المسلم بغيره من الصالحين فى أقوالهم، وأفعالهم، وهيئاتهم.
والتشبُّه المذموم: كتشبُّه المسلم بغير المسلم فى أقواله، وأفعاله، وهيئاتـه، أو كتشبُّه الرجل بالمرأة، وتشبُّـه المرأة بالرجل، أو كتشبُّـه الإنسان بالبهائم، وغير ذلك.
ومن جملة التشبُّه المذمومِ المنهى عنه: تشبُّهُ المسلم بغير المسلم.
وذلك لما رواه عبدالله بن عمر ، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنـه قال: ’مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.
ولكن! هل لهذا التشبُّه المنهى عنـه ضوابط؟ أم هـو على مطلقـه وعمومه! فهل يحرم على المسلم التشبُّه بغير المسلم فى جميع الأحوال؛ فى الأقوال، والأفعال، والهيئات؟
اختلف العلماء فى ذلك:
فمنهم من وضع ضوابط للتشبُّه المنهى عنه، ولم يعتبر أن أى تقليد هو تشبُّه، فخصَّه بالتشبه الذى قد يُظَن صاحبُه أنه من أتباع دين آخر غير الإسلام.
ومنهم: من جعله على إطلاقه.
وكان من جملـة ما اختلفوا فيـه: تشبُّـه المسلم بغيـر المسلم فى اللباس، سواءٌ فى شكله، أو فى طريقة لُبسه، أو غير ذلك.
فهل يحرم على المسلم أن يلبس لباس غير المسلم، سواءٌ قصد به التشبُّه أم لا؟
وقد اشتدَّت حاجة المسلمين لبيان هذه المسألـة وضوابطها، لِمَا حصـل فى زمننـا من تفرُّق المسلمين وضعفهم، ممـا أغـرى أعداءهم بالتسلُّط عليهم، واستباحة أراضيهم، وفرضِ عاداتهم ومعتقداتهم عليهم، فكان أنْ تشرَّب المسلمـون ـ بغيـر قصـد منهم ـ بعض عادات أعدائهم وتقاليدهم، فأخذوا يقلدونهم ـ عن حسن نية ـ فى بعض شؤون حياتهم.
ومن جملة ما قلَّدوهم فيه هو اللباس، والذى أخذ ضجَّة كبيرة بين علماء عصرنا، فمنهم من اعتبر هذا الفعل تشبهاً من المسلمين بغيرهم، وهو منهى عنه شرعاً، ومنهم من اعتبره من الأمور المباحة التى لا ضَير فى فعلها، ولم يعدَّها من التشبُّـه المنهى عنه؛ لأن فاعله لم يتشبَّه بزى يخصُّ أهل دين معيَّن، فهو لباس يلبسه النصرانى واليهودى وغيرهما، ولا يتعيَّن لأهل دين دون آخر.
هذا هو محور الكتاب الذى بين أيدينا، حيث لم يَأْلُ مصنِّفه جهداً فى تحرير وبيان مسألة جواز لُبس المسلم لباسَ غير المسلم، وبيان هذا الفعل هل يعتبر تشبُّهاً بالكفار أم لا؟
فقام بذكر آراء العلمـاء وأدلَّتهم، وقام بتمحيصها وتفنيدهـا والردِّ على بعضهـا، وذِكْـرِ أحكـام بعض ما اشتهـر من أنواع وأسماء لألبسة الأعاجم التى انتشرت بين المسلمين، كـ (البُرنَيطة) أو القبعـة، وخِرْقَة العنق (الداسي)، و(الطَّربُوش)، والسراويل، وغيرها، وبيَّن أن لبسها لا يعتبر تشبُّهاً بهم، وإنما هى عادة جرت بين المسلمين بحكم الاختلاط بغيرهم، وأنها لا تضرُّ عقيدتنا فى شيءٍ ما دامت لا تتعارض مع أصول ديننا الحنيف.
هذا وقد وفقنا الله ـ تعالى ـ للحصول على نسخة خطِّية لهذا الكتاب من ورثة المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ، فرأينا أنه من الواجب نشره وإذاعته لما فيه من تحريرٍ لهذه المسألة، ونوعٍ من البحث العلمى فيها.
وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم
وسالم بن أحمد بن جندان (بالإندونيسية: Salim bin Djindan) (1906 - 1969 هـ) محدّث ومؤرخ ونسابة وكاتب ورحالة إندونيسي ذو أصول حضرمية