يقص علينا القرآن الكريم قصة سيدنا إسماعيل الذى افتداه الله سبحانه وتعالى بكبش عظيم، بعدما كاد والده سيدنا إبراهيم أن يذبحه، وبينما يؤمن المسلمون أن الذبيح هو النبى إسماعيل، نجد أن اليهود يذهبون إلى أنه "إسحق".
ومن جانب آخر فإن ظهور فكرة القرابين البشرية موجودة منذ قديم الأزل، بل إنها كانت من أهم الشعائر فى الديانات القديمة، وكذلك الأديان المتأخرة، ونشأة تقديم القرابين ترجع إلى بداية ظهور الدين فى حياة الإنسان، وذلك لأنها متمثلة فى جميع الأديان، وغرض تقديم القرابين للآلهة هو توليد الرابطة الاجتماعية الوثيقة بين الإله والبشر، وذلك وفقا للكتاب "الأعياد في حضارة بلاد وادي الرافدين"، للدكتورة راجحة خضر النعيمي.
وبحسب مقال لعالم الآثار المصرية الدكتور زاهى حواس نشر بعنوان "قديماً كانوا يضحون بالبشر" فأنه عندما قام عالم المصريات الإنجليزي السير فلندرز بتري، بالحفر عن مقابر ملوك الأسرة الأولى، وجد أن هناك مقابر فرعية حول المقبرة الرئيسية، ويوجد داخل هذه المقابر دفنات قام العلماء بفحصها، واتضح أنها تضحيات بشرية، ولكن أقر العلماء أن كل الأدلة تشير إلى أنهم لم يقتلوا لكي يدفنوا بجوار الملوك، ولكن وضح من دراسة بعض الهياكل أنها عبارة عن عملية انتحارية لكي يدفن بجوار الملك ويعيش معه في الحياة الأخرى.
وقد نشر بتري كل هذه الأدلة، وقام كثير من المصريين، بل والأجانب، بمهاجمته وإنكار هذا الموضوع تماماً؛ بل قالوا إنه حاول أن يقلل من عظمة الحضارة، ولكن جاء الألماني عالم المصريات جونتن دراير ليعيد حفائر المقابر بأم الجعاب، وليؤكد هذه الحقيقة تماماً.
ويذكر الباحث السورى الدكتور محمد شحرور، فى كتابه "السنة الرسولية والسنّة النبوية: رؤية جديدة" أن القرابين البشرية شاعت فى عصر البابليين، إلى أن جاءت واقعة إبراهيم وابنه إسماعيل ليبطل الله هذه الشعيرية الوثنية، وينسخها بالقرابين الحيوانية.
ويوضح الكتاب أن القرابين فى عهد الفراعنة كانت تقدم لآلهة ظواهر الطبيعة كالخصب والقحط والسيول، بينما كانت تقدم عند اليونان لآلهة البراقين والزلازل والعواصف الرعدية، ومن اعتقد المصريون القدامى بأن النيل لا يجرى كل عام إلا بعد تقديم عروس جميلة عذراء يزفونها إليه يوم عيد الصليب ليرضى، وظلت هذه الشعيرة الفرعونية قائمة حتى جاء الفتح الإسلامي فى مصر على عمرو بن العاص.
وبحسب ما تذكره موسوعة "قصة الحضارة: الجزء الأول ص 144" للفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت، فإن القرابين البشرية عرفت منذ الإنسان البدائى، ومن الدلائل ما وجد فى جزيرة كارولينا فى خليج المكسيك، من تمثال معدنى كبير لإله مكسيكي قديم، وجد فيه رفات كائنات بشرية، لا شك أنها ماتت بالحرق قربنا لله، بحسب وصف المؤلف.
كما يذكر عن الإله "ملخ" وهو إله كنعاني قديم، كان الفينيقيون والقرطاجنيون، وغيرهما من الشعوب السامية، يقدمون له القرابين من بنى الإنسان، ويرى المؤلف أنه ربما كان منشأ هذه العادة أكل البدائيين للحوم البشر، فظنوا أن الآلهة تستمرئ من الطعام ما يستمرئون، ولما كانت العقيدة الدينية أبطا تغيرا من سائر العقائد، ولما كانت الشعائر الدينية أبطا تغيرا من العقائد نفسها، فقد امتنع الإنسان عن أكل لحوم البشر، لكن بقي التقليد قائما بالنسبة للآلهة، وربما تغيرت تلك الشعائر بفضل تطور الأخلاق.