"الثقافة مرادفة للحرية والشرط الأول لحضورها وازدهارها، بوصفها أفقًا من الوعي المفتوح على المستقبل الواعد في كل مجال، والذي يدرك حضوره الخلاق في تمرده على كل ثقافة منغلقة على أية سلطة تحول دون حرية الإنسان في أن يصنع لنفسه ولغيره عالمًا حرًا، تقترن فيه الحرية الفردية بالحرية الاجتماعية" هكذا قال الناقد والمفكر الكبير الراحل جابر عصفور في مقدمة كتابه "عن الثقافة والحرية" مفسرا كيف أن العنصريين السابقين مرادفين لبعضهما والمرتبطان بمفهوم حقوق الإنسان.
والكتاب الصادر في طبعة حديثة عن الهيئة العامة للكتاب، يضم مجموعة رسائل تنويرية مهمة، على رأسها الإشارة إلى أهمية الثقافة في تحقيق الانتصار لحقوق الإنسان، وهوية الوطن هي القاعدة الأساسية في الثقافة، التي يدرك قيمتها في تغيير السلوك والتطور الثقافي، كذلك يتناول الروابط المشتركة بين الثقافة كمكون مجتمعي، والسلطة بمعناها السياسي، وضرورة إعادة إحياء وصياغة الخرائط الفكرية والليبرالية والمدنية فى مواجهة الأفكار التقليدية والجامدة.
وقد اقترنت الثقافة بالحرية في عنوان هذا الكتاب، لأن الثقافة مرادفة للحرية، والشرط الأول لحضورها وازدهارها، بوصفها أفقا من الوعي المفتوح على المستقبل الواعد في كل مجال، الوعي الذي يدرك حضوره الخلاق في فعل تمرده على كل شروط الضرورة، ومن ثم تمرده على كل ثقافة منغلقة على أية سلطة، تحول دون حرية الإنسان في أن يصنع لنفسه ولغيره عالما حرا، تقترن فيه الحرية الفردية بالمسؤولية الاجتماعية.
يشتمل الكتاب على ما كتب من رؤية مغايرة لثورة 1919 بوصفها الثورة التي ينتسب، جابر عصفور، إلى شعاراتها عن حرية الوطن والمواطن على السواء، فهي الثورة التي أسست في تاريخنا الحديث، معنى الوطن الذي يتسع للجميع، ولا يتمايز فيه مواطن عن غيره على أساس من جنس أو عقيدة دينية أو طائفية أو حتى ثروة.
وفى وأسس عصفور كتابه على نحو أن «الثقافة مرادفة للحرية» في مفهوم مغاير للثقافة، وذلك عبر 4 أقسام أو محاور رئيسية يرتكز عليها الكتاب هي: «عن الثقافة، دفاعا عن حرية الفكر والإبداع، ضد التمييز الديني والاعتقادي، وثورة 1919 من منظور مغاير».
ويحاول فيه جابر عصفور أن يشخص سلبيات الثقافة المصرية، مقدمًا الحلول، كما تناول الفرق بين ثقافة التخلف وثقافة التقدم محددًا مفردات كل ثقافة من هذه الثقافات، وكيفية تحليل ثقافة التخلف في المجتمع المصري مطبقًا المؤشرات الكمية لوصفها بأن معدل الأمية بلغ 26% من الشعب المصري، وكيف نعيد صياغة المجتمع صياغة حقيقية تعطي للناس حقوقهم.
ويدافع عصفور في هذا الكتاب عن الثقافة والمعرفة والحرية، باعتبارهما حائط الصد والمدافع الأول عن حرية المواطن داخل الدولة المدنية، ويقسم المثقفين إلى مجموعتين، إحداهما تدافع عن الحرية والتنوير، والأخرى من المثقفين المتخلفين.
ولعل الكتاب يعد تلخيصا لموقف جابر عصفور في كل حياته المهنية والفكرية، ويؤكد إيمانه بالثقافة، كسلطة لها تأثيرها الفعال في حركة المجتمع سواء بالإيجاب أو بالسلب، ولكن تأثيرها مؤكد في كل الأحوال.