انطلاقاً من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات الهامة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، أو شوارع تحمل القصص والحكايات، واليوم نستعرض حكاية حارة الدرب الأصفر.
يرى البعض أن الحارة اشتهرت بطلاء مبانيها باللون الأصفر، لذلك سميت بهذا الاسم، فى حين يرى البعض الآخر أنه نسبة إلى لون النحاس الأصفر، لأن ورش تصنيع النحاس كانت منتشرة بين جنباته، والدرب يربط بين شارعى الجمالية والمعز، وفى عام 1923م تم فتحه على شارع المعز وأصبح يربط بين الشارعين.
وكان لهذه الحارة باب خشبى عند مدخله أمام مسجد بيبرس الجاشنكير بشارع الجمالية، وهو يعبر عن خصوصية دروب وحوارى القاهرة التى كانت تغلق بوابتها ليلًا كى لا يدخلها الغرباء واللصوص.
وكان الخلفاء الفاطميين يتخذون من الحارة منحرًا لذبائح عيد الأضحى، فكان الخليفة الفاطمى مع كبار رجال دولته يحضرون فى موكب عظيم بعد أداء صلاة عيد الأضحى إلى الدرب حيث يشهدون نحر الأضاحي.
وقد ذكر "المقريزي" أن المنحر كان بجوار القصر الكبير، ثم قال: "هو الموضع الذى اتخذه الخلفاء لنحر الأضاحى فى عيد النحر وعيد الغدير، وكان تجاه رحبة باب العيد، وموضعه الآن يعرف بالدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس، وصار موضعه ما بداخل هذا الدرب من الآدر والطاحون وغيرها”.
وتظهر حارة الدرب الأصفر فى قلب القاهرة الفاطمية مثل متحف طبيعى مفتوح للزائرين طوال ساعات الليل والنهار، فالحارة تمتد بداية من منطقة الموسكى وانتهاء بحى الجمالية الشهير متقاطعة مع شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتضم على جانبيها مجموعة ضخمة من التراث الإنسانى العظيم، الذى لا يزال قائما فى مكانه رغم مرور عقود من الزمان.
وينظر كثير من الباحثين فى تاريخ العمارة الإسلامية إلى حارة الدرب الأصفر باعتبارها تمثل شاهدًا حيًا على تاريخ مصر الاجتماعى والثقافى خلال ما يزيد على خمسمائة عام من الزمان، حيث تحتوى هذه الحارة على العشرات من البيوت الأثرية التاريخية الشهيرة، منها بيت السحيمى.
وتتميز البيوت الأثرية فى حارة الدرب الأصفر بالمشربيات وجميعها مشربيات مصنوعة من الخشب المخروط دقيق الصنع حيث كانت هذه المشربيات تمتد من جدران البيوت إلى الطريق، ليختفى النساء وراءها عن أعين المارة.
وتجسد عمارة حارة الدرب الأصفر فى مجملها محصلة لأساليب مدارس إسلامية عدة فى فنون العمارة، بداية من العصر المملوكي، الذى بلغت فيه العمارة وفنونها شأنًا عظيمًا، وليس انتهاء بفنون العمارة فى العصور التالية، التى ازدهر فيها فن البناء وارتقت فيها فنون الزخرف، وهو ما ينعكس بوضوح فى قصور المماليك وبيوتهم المملوءة بالتحف الخشبية والخزفية والزجاجية فضلاً عن فرشها المحلاة بالطنافس والأبسطة والرياش الثمينة.
ويمثل سبيل وكتاب السلحدار مدخل الدرب الأصفر ويتبع تخطيطه الأسبلة والكتاتيب العثمانية فى مدينة القاهرة، ومنشئه هو الأمير سليمان أغا السلحدار الذى جاء إلى مصر صغيراً، وأخذ يرتقى فى الوظائف حتى أصبح أمير لواء السلاح فى عهد محمد على باشا.