تواصل الصراع بين الأمين والمأمون ولدي هارون الرشيد، وفى سنة 195 هجرية وصل الأمر إلى أقصاه، فما الذى جرى، وما الذى يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة":
وفيها: فى صفر منها أمرالأمين الناس أن لا يتعاملوا بالدارهم والدنانير التى عليها اسم أخيه المأمون ونهى أن يدعى له على المنابر، وأن يدعى له ولولده من بعده.
وفيها: تسمى المأمون: بإمام المؤمنين.
وفى ربيع الآخر فيها: عقد الأمين لعلى بن عيسى بن ماهان الإمارة على الجبل وهمذان وأصبهان وقم وتلك البلاد، وأمره بحرب المأمون وجهز معه جيشا كثيرا، وأنفق فيهم نفقات عظيمة، وأعطاه مائتى ألف دينار، ولولده خمسين ألف دينار وألفى سيف محلى، وستة آلاف ثوب للخلع.
فخرج على بن موسى بن ماهان من بغداد فى أربعين ألف مقاتل فارس، ومعه قيد من فضة ليأتى فيه بالمأمون.
وخرج الأمين معه مشيعا فسار حتى وصل الرى فتلقاه الأمير طاهر فى أربعة آلاف، فجرت بينهم أمور آل الحال فيها أن اقتتلوا، فقتل على بن عيسى وانهزم أصحابه وحمل رأسه وجثته إلى الأمير طاهر، فكتب بذلك إلى وزير المأمون ذى الرياستين.
وكان الذى قتل على بن عيسى رجل يقال له: طاهر الصغير، فسمي: ذا اليمينين، لأنه أخذ السيف بيديه فذبح به على بن عيسى بن ماهان، ففرح بذلك المأمون وذووه.
وانتهى الخبر إلى الأمين وهو يصيد السمك من دجله فقال: ويحك ! دعنى من هذا فإن كوثرا قد صاد سمكتين، ولم أصد بعد شيئا.
وأرجف الناس ببغداد وخافوا غائلة هذا الأمر، وندم محمد الأمين على ما كان منه من نكث العهد وخلع أخيه المأمون، وما وقع من الأمر الفظيع.
وكان رجوع الخبر إليه فى شوال من هذه السنة.
ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنبارى فى عشرين ألفا من المقاتلة إلى همذان ليقاتلوا طاهر بن الحسين بن مصعب ومن معه من الخراسانية، فلما اقتربوا منهم تواجهوا فتقاتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى بينهم، ثم انهزم أصحاب عبد الرحمن بن جبلة فلجأوا إلى همذان فحاصرهم بها طاهر حتى اضطرهم إلى أن دعوا إلى الصلح، فصالحهم وأمنهم ووفى لهم، وانصرف عبد الرحمن بن جبلة على أن يكون راجعا إلى بغداد.
ثم غدروا بأصحاب طاهر وحملوا عليهم وهم غافلون فقتلوا منهم خلقا، وصبر لهم أصحاب طاهر ثم نهضوا إليهم وحملوا عليهم فهزموهم وقتل أميرهم عبد الرحمن بن جبلة، وفر أصحابه خائبين.
فلما رجعوا إلى بغداد اضطربت الأمور وكثرت الأراجيف، وكان ذلك فى ذى الحجة من هذه السنة، وطرد طاهر عمال الأمين عن قزوين وتلك النواحي، وقوى أمر المأمون جدا بتلك البلاد.
وفى ذى الحجة من هذه السنة: ظهر أمر السفيانى بالشام، واسمه: على بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، فعزل نائب الشام عنها ودعا إلى نفسه، فبعث إليه الأمين جيشا فلم يقدموا عليه بل أقاموا بالرقة، ثم كان من أمره ما سنذكره.
وحج بالناس فيها نائب الحجاز داود بن عيسى.
وفيها: كانت وفاة جماعة من الأعيان منهم:
إسحاق بن يوسف الأزرق
أحد أئمة الحديث.
روى عنه: أحمد، وغيره.