الكثير من المفاهيم كانت لها جوهرها ومعانيها الخاصة عند القدماء المصريين وهو ما حاولت بعض الدراسات توضحيه، منها دراسة بعنوان "مفهوم الشر فى مصر" القديمة للدكتور على عبد الحليم، فالكتاب يقدم عرضًا تحليليًا لأفكار المصريين القدماء عن الشر ومايندرج تحته من معانٍ.
هذا الكتاب يحتوى على دراسة عن أفكار المصريين القدماء وتصوراتهم عن الشر والفوضى وكيفية التخلص منها فقد ذكرت نصوص عديدة كراهية المصريين القدماء للفوضى واعتبروها انتكاسة فى الخلق، وعبروا عنها بكلمة بليغة هى كلمة "إسفت" التى تعنى جميع الشرور والفساد، كما عددت تلك النصوص وسائل التخلص من هذه الفوضى سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى أو الأخلاقى أو حتى المستوى الكونى، وأن دراسة الفكر المصرى القديم من أهم الدراسات فى علم المصريات والكتاب مكون من سابع فصول ومنها مقدمة عن الشر فى مصر القديمة والإسفت فى الدولة الوسطى والإسفت فى الدولة الحديثة، دور الملك فى القضاء على الإسفت وغيرها.
يقدم هذا الكتاب عرضا تحليليا لأفكار المصريين القدماء عن الشر وما يندرج تحته من معان وفروع مثل الفوضى والظلم والذنب والفساد وغيرها من ذلك من خلال النصوص المصرية القديمة سواء أكانت دينية أم جنائزية أم غيرها، ويفصل هذا الكتاب ما ذكره أجدادنا المصريون القدماء عن تصوراتهم للشر وفاعليه، والتمرد والقائمين به والذنب ومقترفيه والظلم ومرتكبيه وعقوبة ذلك جميعًا.
وبحسب الكاتبة وفاء نبيل، فأن مصر القديمة رغم قوتها العسكرية والسياسية على مر العصور، فقد تمتعت بنظام قوى للماعت، تحت حكم الملوك الذين تعاقبوا على حكمها، لكنها تعرضت لفترات ضعف، كان عليها أن تخرج منها، وتعيد مجدها على يد ملك مصلح يطرد "الإسفت" ويقر "الماعت"، وفى عصر الدولة الوسطى كان على الملك القيام ببعض الإجراءات، ذكرها مؤلف الكتاب بترتيبها بجدول يشرح المشكلة والحل الذى سيقدمه الملك، ومن هذه المشكلات: القضاء على المتمردين الذين خططوا بالتعاويذ، وكان على الملك أن يقضى عليهم بنفس هذه التعاويذ ليرعبهم.
مشكلة الآسيويين الذين يطلبون الماء، وهؤلاء سيسقطون وحدهم من مهابة الملك، مشكلة الليبيين سيحرقهم الملك بلهيبه. العصاة سيغضب عليهم الملك بشدة، الثائرون سيسلط عليهم الملك ثعبان الكوبرا.
أما المفهوم الاجتماعى "للإسفت"، فيعبر أحد النصوص القديمة على أن البشر هم أساس الشر، ويبرئ إله الشمس نفسه من كل عمل شرير.وكان يرمز للقلب باعتباره مصدرا للشر، وكانت نصوص السيرة الذاتية التى تم العثور عليها، تدل على المسئولية التى تقع على أفراد المجتمع أيضا فى إقرار "الماعت" أى الخير، فى المجتمع حيث التضامن والتكافل، مثل إطعام الفقير، وإيواء اليتيم، ومساندة الأرملة، وتوزيع الحبوب فى أوقات نقص الغلال، والحفاظ على ماء النيل من التلوث. ويوضح المؤلف التسلسل الوظيفى ودوره فى حفظ الماعت، وطرد الإسفت، حيث بدأ بالخادم والموظف، مرورا بالوزير وحتى الملك.