وصل الصراع بين الأخوين الأمين والمأمون أبناء الخليفة الراحل هارون الرشيد إلى مرحلة نهائية، حيث قام المأمون بخلع أخيه من الخلافة، فما الذى حدث بينهما؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير تحت عنوان "سبب خلع الأمين وكيف أفضت الخلافة إلى أخيه المأمون":
لما أصبح الحسين بن على بن ماهان ولم يذهب إلى الأمين لما طلبه، وذلك بعد مقدمه بالجيش من الشام، قام فى الناس خطيبا وألَّبهم على الأمين، وذكر لعبه وما يتعاطاه من اللهو وغير ذلك من المعاصي، وأنه لا تصلح الخلافة لمن هذا حاله، وأنه يريد أن يوقع البأس بين الناس، ثم حثهم على القيام عليه والنهوض إليه، وندبهم لذلك، فالتف عليه خلق كثير وجم غفير.
وبعث محمد الأمين إليه خيلا فاقتتلوا مليا من النهار، فأمر الحسين أصحابه بالترجل إلى الأرض وأن يقاتلوا بالسيف والرماح، فانهزم جيش الأمين وخلعه وأخذ البيعة لعبد الله المأمون، وذلك يوم الأحد الحادى عشر من شهر رجب من هذه السنة.
ولما كان يوم الثلاثاء نقل الأمين من قصره إلى قصر أبى جعفر وسط بغداد، وضيق عليه وقيده واضطهده، وأمر العباس بن عيسى بن موسى أمه زبيدة أن تنتقل إلى هناك فامتنعت فضربها بالسوط وقهرها على الانتقال فانتقلت مع أولادها.
فلما أصبح الناس يوم الأربعاء طلبوا من الحسين بن على أعطياتهم واختلفوا عليه وصار أهل بغداد فرقتين: فرقة مع الأمين، وفرقة عليه.
فاقتتلوا قتالا شديدا فغلب حزب الخليفة أولئك، وأسروا الحسين بن على بن عيسى بن ماهان وقيدوه ودخلوا به على الخليفة ففكوا عنه قيوده وأجلسوه على سريره، فعند ذلك أمر الخليفة من لم يكن معه سلاح من العامة أن يعطى سلاحا من الخزائن، فانتهب الناس الخزائن التى فيها السلاح بسبب ذلك.
وأمر الأمين فأتى بالحسين بن على بن عيسى فلامه على ما صدر منه فاعتذر إليه بأن عفو الخليفة حمله على ذلك، فعفا عنه وخلع عليه واستوزره وأعطاه الخاتم وولاه ما وراء بابه، وولاه الحرب وسيَّره إلى حلوان.
فلما وصل إلى الجسر هرب فى حاشيته وخدمه فبعث إليه الأمين من يرده، فركبت الخيول وراءه فأدركوه فقاتلهم وقاتلوه فقتلوه لمنتصف رجب وجاؤوا برأسه إلى الأمين، وجدد الناس البيعة للأمين يوم الجمعة.
ولما قتل الحسين بن على بن عيسى هرب الفضل بن الربيع الحاجب، واستحوذ طاهر بن الحسين على أكثر البلاد للمأمون، واستناب بها النواب، وخلع أكثر أهل الأقاليم الأمين وبايعوا المأمون، ودنا طاهر إلى المدائن فأخذها مع واسط وأعمالها، واستناب من جهته على الحجاز واليمن والجزيرة والموصل وغير ذلك، ولم يبق مع الأمين من البلاد إلا القليل.
وفى شعبان منها: عقد الأمين أربعمائة لواء مع كل لواء أمير، وبعثهم لقتال هرثمة، فالتقوا فى شهر رمضان فكسرهم هرثمة وأسر مقدمهم على بن محمد بن عيسى بن نهيك، وبعث به إلى المأمون.
وهرب جماعة من جند طاهر فساروا إلى الأمين فأعطاهم أموالا كثيرةً، وأكرمهم وغلف لحاهم بالغالية فسموا: جيش الغالية.
ثم ندبهم الأمين وأرسل معهم جيشا كثيفا لقتال طاهر فهزمهم طاهر وفرق شملهم، وأخذ ما كان معهم.
واقترب طاهر من بغداد فحاصرها وبعث القصاد والجواسيس يلقون الفتنة بين الجند حتى تفرقوا شيعا، ثم وقع بين الجيش وتشعبت الأصاغر على الأكابر واختلفوا على الأمين فى سادس ذى الحجة، فقال بعض البغاددة:
قل لأمين الله فى نفسه * ما شتت الجند سوى الغاليه
وطاهر نفسى فدا طاهر * برسله والعدة الكافيه
أضحى زمام الملك فى كفه * مقاتلا للفئة الباغيه
يا ناكثا أسلمه نكثه * عيوبه فى خبثه فاشيه
قد جاءك الليث بشدَّاته * مستكلبا فى أسد ضاريه
فاهرب ولا مهرب من مثله * إلا إلى النار أو الهاويه
فتفرق على الأمين شمله، وحار فى أمره، وجاء طاهر بن الحسين بجيوشه فنزل على باب الأنبار يوم الثلاثاء لثنتى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة، واشتد الحال على أهل البلد وأخاف الدعارُ والشطارُ أهل الصلاح، وخربت الديار، وثارت الفتنة بين الناس، حتى قاتل الأخ أخاه للأهواء المختلفة، والابن أباه، وجرت شرور عظيمة، واختلفت الأهواء وكثر الفساد والقتل داخل البلد.
وحج بالناس فيها العباس بن موسى بن عيسى الهاشمى من قبل طاهر، ودعا للمأمون بالخلافة بمكة والمدينة، وهو أول موسم دعى فيه للمأمون.