تمر، اليوم، الذكرى الـ134 على ميلاد الأديب الكبير محمد حسين هيكل، إذ ولد فى 20 أغسطس عام 1888، وهو روائى ومؤرخ وسياسى مصرى كبير، صاحب أول رواية عربية باتفاق نقاد الأدب العربي الحديث، كما أنه قدم التاريخ الإسلامى من منظور جديد يجمع بين التحليل العميق، والأسلوب الشائق، وكان أديبًا بارعًا، كما كان له دور حركى كبير فى التاريخ السياسى المصرى الحديث.
ولد "هيكل" بمحافظة الدقهلية لأسرة ثرية، توجه في صغره إلى الكتَّاب، ثم التحق بمدرسة الجمالية الابتدائية، وأكمل دراسته بعدها بمدرسة الخديوية الثانوية، ثم قرر الالتحاق بمدرسة الحقوق المصرية عام ١٩٠٩م. سافر بعد ذلك إلى فرنسا ليحصل من هناك على درجة الدكتوراه.
وكتب هيكل في كتابه "مذكرات الشباب" عن يومياته في العاصمة الفرنسية باريس، حيث قال في كتابه: في كل ناحية من نواحي باريس متاحف وآثار جميلة عظيمة، أكبر هذه الآثار قيمة في الحي اللاتيني: البانتيون، وهو بناء شامخ ترتفع قبته في السماء تسعون مترًا وتقوم على قواعد عظيمة ضخمة، وتحت هذه القبة وقواعدها وتحت الأرض القائم فوقها البناء ينام جماعة من عظماء الرجال.
لأول ما تدخل المكان تحس بهيبة تقابلك ثم تأخذ ببصرك نقوش الجدران، وإنك لترى من النقوش حيث كنت في باريس، في المتاحف والمعابد والكنائس والمنازل الخاصة وحيث تريد، وتحس لذلك إحساسًا صحيحًا أن باريس وطن الفنون الجميلة.
لقد أحسست هنا إحساسًا لم يكن عندي بشيء من هذه القوة لا في قصر اللوفر ولا في قصر فرساي، استعدت أمام مخيلتي من الصور التي رأيت في القصرين ووضعتها إلى جانب ما في البانتيون فعرتني القشعريرة لمبلغ قسوة بني الإنسان ووحشيتهم، وحقَّرهم عندي ما في طبيعتهم من الشدة المتناهية من جانب من الخضوع الأعمى للقوة من جانب آخر، أثار عندي ذلك الإحساس صور الوقائع الحربية حيث الأشلاء ملقاة تدوسها البهم والهامات طائرة عن أعناقها والدم القاني يسيل من تلك الكلوم النافرة، وأمام كل هذا لا ترى على وجه من الوجوه أثر رحمة أو شفقة، بل عيون تقدح الشرر ووجوه صورتها بصورتها قلوبهم الحجرية فظهرت قاتمة عابسة، تلك الصور هي تاريخ الإنسانية الحي وآثارها الصارخة بما جنى الناس ويجنون من الفظائع.
فوق بعض تلك الصور رسوم ملائكة توفَّرت بأجنحتها فوق هذه المجاميع المتحاربة، وترقب من سمائها الإخاء الحب هاته الطوائف المتباغضة المتحاسدة، يسفك الإنسان دم الإنسان ليرضي شهوة من شهوات ملكه الشرِه الطامع في أن يقال عنه سيد المشارق والمغارب مهما طارت من أجل ذلك رؤوس وأريقت دماء.
وفي مغاور البانتيون في جوف الأرض ينام العظماء نومهم الهادئ الطويل، ينام روسو وفلتير وهوجو وميرابو، ينام هؤلاء الكتاب والمتكلمون وهم أشد صمتًا من الأحجار التي حولهم.