لم تكن المرأة الأمية البسيطة، وهى تلد مولدها الصغير، تتصور أن هذا الرضيع سوف يصبح أهم وأعظم أديب عربي على الإطلاق، وأول كاتب عربي يحصل على جائزة نوبل في الآداب، والوحيد حتى الآن من بين جميع كتاب الوطن العربى قاطبة، ولم تكن تعلم وهى تطلق عليه اسم الطبيب الذى قام بتوليدها أنه سوف يصبح أشهر اسم في عالم الأدب، أنه الأديب العالمى نجيب محفوظ.
ربما الذى لا يعرفه الكثيرون أن اسم "نجيب محفوظ" اسما مركبًا، ووراء هذا الاسم قصة طريفة، لكنها أيضًا كانت سببًا في موقفا آخر استمر مع صاحب "الثلاثية" حتى آخر أيام حياته، وغير أيضًا من نظرته للحياة، وتحول مسار حياته بسبب هذا الاسم.
القصة يرويها صاحب نوبل في الآداب لعام 1988، في حواره مع الناقد الكبير رجاء النقاش، في كتاب الأخير المعنون "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، حيث قال: "كثيرون سوف يصابون بالدهشة عندما يعرفون أننى كنت من عشاق السفر، وكانت أمنية حياتى وأنا طالب في الجامعة أن استكمل تعليمى في أوروبا، وفى فرنسا على وجه التحديد، وبسبب ولعى بالسفر وأنا طالب، قرأت عن منحة لدراسة الرسم في إيطاليا، فتقدمت إليها، وأنا لا أجيد الرسم، أما أقرب فرصة اتتنى للسفر فكانت بعد تخرجى في كلية الآداب والتحاقى بوظيفة في إدارة جامعة القاهرة، فقد أعلنت الجامعة عن حاجتها لمجموعة من خريجى قسم الفلسفة للسفر إلى فرنسا لدراسة اللغة الفرنسية بمدرسة الترومال، وذلك لأن الأساتذة الفرنسيين في مصر بدأوا في مغادرتها بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، ولابد من إيجاد البديل.
ويتابع "محفوظ": كان ترتيبى في كلية الآداب الرابع، وتصادف أن الأربعة الأوائل خرجوا من قسم الفلسفة، فاختارت الكلية الثلاثة الأوائل وهم: محمد عبد الهادى أبو زيد، وعلى أحمد عيسى، وتوفيق الطويل، وأرسلتهم في بعثة إلى فرنسا، وبذلك أكون أول المرشحين للسفر إلى الترومال بعد سفر هؤلاء، ومن فرط ثقتى في الحصول على البعثة جهزت ملابسى وذهبت إلى أستاذ في كلية الآداب حصل على الدكتوراه من فرنسا لأسأله عن أنسب الأماكن للإقامة في باريس، وعن كيفية التعامل مع الفرنسيين، لذلك كانت المفاجأة قاسية عندما لم أجد اسمى بين العشرة المختارين للسفر، وكدت أجن، واكتشفت أن إدارة البعثات اشتبهت في اسمى، وظنت أننى قبطى، وبما أه هناك اثنين من الأقباط في قائمة المختارين للسفر، فقد رفعوا اسمى منها اكتفاء بهما!.
وأكمل نجيب محفوظ: كان لى زميل في الكلية اسمه عبد الرحمن أبو العز، وهو ابن أخت الكاتب المسرحى إبراهيم رمزى، مدير إدارة البعثات، متأثرا بما جرى لى، فاصطحبنى إلى منزل خاله إبراهيم رمزى لنوضح له سوء الفهم الذى حدث، سأل عبد الرحمن حاله لماذا تم رفع اسمى من قائمة المسافرين مع أن ترتيبى الأول؟. فرد بأن هناك اثنين من الأقباط في القائمة وموصى عليهما من شخصيات مهمة، وبالتالي لا يمكن ان نضع في القائمة ثلاثة من الأقباط، وعندما أكد عبد الرحمن لخاله أننى مسلم، علت الدهشة وجه إبراهيم رمزى، وكان رجلا خفيف الظل وابن بلد، فنظر لى وقال لى بالحرف الواحد: "يلعن أبو تأليف أمك، فيه واحدة مسلمة تسمى ابنها نجيب محفوظ" سألته إن كان هناك أمل في تصحيح الخطأ فأجاب بالنفى، وأبدى أسفه لأن الوقت كان قد فات، ووعدنى بالسفرفى أقرب بعثة.
وأوضح صاحب "الثلاثية": ضاعت فرصة السفر إلى فرنسا بسبب خطأ من موظف في قسم السجلات بالجامعة، لانهم كتبوا اسمى كاملا وهو نجيب محفوظ عبد العزيز، وهو ما حدث هذا اللبس، ولتغير مسار حياتى.
ولفت "محفوظ": ولإطلاق هذا الاسم المركب "نجيب محفوظ" على قصة، فقد عجزت "الداية" وهى المرأة التي كانت تقوم بتوليد معظم النساء في مصر، وعن إخراجى للحياة، وعانت أمى من صعوبات شديدة أثناء الوضع، حتى اضطروا للاستعانة بطبيب، وهو أمر لم يكن محببا في تلك الأثناء خاصة في البيئات الشعبية، فجاء الدكتور نجيب محفوظ طبيب النساء الولادة الشهير، وأنقذ امى وأخرجنى إلى الحياة، فأطلقوا اسمه على المولود الجديد، وأصبح اسم الطبيب "نجيب محفوظ" وهو اسم مركب، ولم تكن امى تعرف أنها اختارت لى هذا الاسم سوف يكون ذلك سببا في حرمانى من السفر إلى فرنسا.