عمل الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ فى عدة وظائف حكومية قبل تقاعده عام 1971 لوصوله إلى سن المعاش لكن البداية كانت فى إدارة جامعة القاهرة عام 1934 التى انضم إليها بعد تخرجه فى كلية الآداب قسم الفلسفة.
وقد ذكر طارق الطاهر فى كتابه نجيب محفوظ بختم النسر أن أديب نوبل حين تقدم بطلب لتوظيفه فى إدارة جامعة القاهرة كتب يقول "أتشرف بأن أطلب الالتحاق بإحدى وظائف الجامعة الخالية، وإنى وإن كنت من المتخصصين فى علوم الفلسفة، إلا أنه يمكننى القيام بأى وظيفة كتابية أو ترجمة"، وقد قضى نجيب محفوظ خمس سنوات فى إدارة جامعة القاهرة قبل انتقاله إلى وزارة الأوقاف، مراجعا بقسم الإدارة والمحفوظات فى الدرجة السابعة بمرتب 12 جنيها شهريا.
وتعكس كلمات نجيب محفوظ عن الوظيفة فى كتاب رجاء النقاش الصادر بعنوان نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء على حياته طريقة تفكيره فى هذا الشأن: أعطتنى حياتى فى الوظيفة مادة إنسانية عظيمة، وأمدتنى بنماذج بشرية لها أكثر من أثر فى كتاباتى، ولكن الوظيفة نفسها كنظام حياة وطريقة لكسب الرزق، لها أثر ضار أو يبدو كذلك، فلقد أخذت الوظيفة نصف يومى ولمدة 37 سنة، وفى هذا ظلم كبير، ولكن الوظيفة فى الوقت نفسه علمتنى النظام، والحرص على أن أستغل بقية يومى فى العمل الأدبى قراءة وكتابة، وجعلتنى أقضى كل دقيقة فى حياتى بطريقة منظمة، وهذا فى تصورى هو أثر إيجابى للوظيفة فى ظل المجتمع الذى نعيش فيه".
غير أن وظيفة نجيب محفوظ الأولى فى إدارة جامعة القاهرة أثرت كثيرا فى تشكيل وجدانه ووعيه بل إنها صاحبة الفضل فى بلورة شخصيات رواياته ومنها القاهرة 30 وخان الخليلى وعن ذلك يقول وفقا لكتاب رجاء النقاش: "اصطدمت بنماذج بشرية أخرى، فبطل "القاهرة الجديدة" عرفته وهو طالب وتتبعته إلى أن حصل على وظيفة، ولكن "سقوطه" بدأ وهو طالب، وبطل "خان الخليلى" كان زميلاً لنا فى إدارة الجامعة اسمه أحمد عاكف، وقد جاء يشكرنى بعد قراءته للرواية على محبتى له، للدرجة التى جعلتنى أطلق اسمه على بطل الرواية".