وصلت الترجمة الفرنسية لرواية "الغرق" للكاتب السودانى حمور زيادة للقائمة القصيرة فى جائزة معهد العالم العربى فى باريس.
تدور أحداث رواية (الغرق حكايات القهر والونس) فى قرية حجر نارتى التى تطل على ضفاف النيل فى شمال السودان، يوهمنا الكاتب بأن هذه الرواية تاريخية ويقول فى افتتاحيتها: "تبدو البلاد كما لو صنعت فى صدفة ماء، بلا خطة واضحة وعلى عجل، يمكن أن تستجيب السماء فى أى لحظة، كرامة للنهر الآتى من الجنة، ترسل السماء هداياها للغرقى على اليابسة العطشى، المتورطين فى هذه البلاد بحكم الميلاد"، ولكن نكتشف أن حمور استخدم التاريخ بصورة جميلة يحاكى بها الواقع أو نشاهده فى مناطق شمال السودان، رويداً رويداً يدخلنا إلى عالمه هو، بل يهشم كل ما نعرفه عن التاريخ، والثقافة فى شمال السودان، ومن هنا وهناك يصنع أسطورته الحكائية المدهشة.
يعتبر أبطال هذه الرواية مقهورين بصورة مفجعة جداً واضعين رقابهم تحت مقصلة الأسرة وسندان زوجة العمدة (حاجة الرضية)، حيث إن مصلحة الأسرة أهم من كل شىء (أهم من رغبات المرء ورأيه، مصلحة الجماعة تحدد ما يجب أن تحبه وتحلم به) فى هذه القرية الرجال يستلذون بجلد زوجاتهم عند المضاجعة يرتوى شبقهم عندما تعلو صرخاتهن وتحمر أجسادهن، يتنادون عند فايت ندو على ضفاف النيل، كانت خادمة فى بيت العمدة، لها عشرات الآباء من أهل القرية، كانت أمها تعمل على صناعة الخمور البلدية وتروى عطش الرجال، لذلك أنجبت عشرون طفلا لآباء جميعهم ماتو نجت فايت ندو وأختها وأخ هرب من القرية لفعلة ما.
بعد أن أعلن الإنجليز منع الرق وتحرير العبيد أصبحت فايت ندو مكان أمها، عند فايت ندو يحلو السمر والحديث عن السياسة وحال البلد، وكان الانقلاب العسكرى الذى حدث هو شغلهم الشاغل، يقول حاج بشير شقيق العمدة بلهجة سودانية (البلد دى خلاص راحت تصدق يا بنى آدم) يُجيب شقرب وهو مساعد القرية الطبى وموظف الحكومة (لعل المرة هذه تختلف عن الأولى) تشاركهم فايت ندو الحديث تذكرهم بما حدث قبل ست سنوات عندما هتفوا ضد العسكر(إلى الثكنات يا حشرات) قالت (حتى بنات المدارس ما يعرفن شيء، ولا عندهن شغلة لكن هتفن ويجرين) هكذا كان يتسامرون، فى واحدة من جلسات السمر هذه، فجأة صرخ أحدهم: جنازة بحر، جنازة بحر، كانت لامرأة ناضجة، نادو كل القرى القريبة لحجر نارتى فلم يتعرف عليها أحد، حتى دفنوها.
فى حجر نارتى النساء يقهرن بعضهن البعض حاجة الرضية حارسة الفضيلة وإرث أجدادها من العادات والتقاليد، تكره الإماء، تلدغهم بالكلمات مثل أفعى عجوز، عندما حَملت فايت ندو ببنتها عبير حلفت بأن تقتلها، ولكنها نجت من ميتة محققة بعد تدخلات زوجها العمدة، ونوسلات أهل القرية، شفعت لها ولكن بشروط، وهى أن لا تنجبها فى القرية فوضعتها فى قرية أخرى حتى تبر بقسم حاجة الرضية، وعندما عادت واجهت الموت أيضاً فى تسمية ابنتها شاهيناز على ابنة أخت حاجة الرضية فكادت أن تأكلها حية لولا تم تغيير الاسم ل عبير.
أما سكينة فهى طفلة وديعة وجميلة جن جنون العالم بجمالها كل القرى تتحدث به، تغنى بها الشعراء والمغنيين والعشاق، تجد اسمها مكتوبا فى الباصات وحكايات الشباب، خطبها ضابط من قوة دفاع السودان (القوات المسلحة السودانية) تحمس أهلها وأعمامها لهذا الزواج لكن والدها لم يكن بتلك الحماسة وظل يرواغ بأن البنت صغيرة، يجيبون اصغر منها تزوجن، البنت لا تعرفه ولا يعرفها يجيبون ومتى كانت الزيجات يعرفن أزواجهن إنما الزواج مصاهرة بين الرجال، هكذا حرمت سكينة من طفولتها ومن حبها لبشير الناير، الذى عشقها منذ ساعة ميلادها، عندما سألته واحدة من النساء عجبتك يا البشير؟ مد عنقه نظر أكثر (حلوه زى حلاوة قرطاس).