لا يحتاج بهاء عبد المجيد إلى تعريف ولا تحتاج نصوصه إلى تقديم، فابن جيل التسعينيات صاحب قلم تمرس على الكتابة الإبداعية منذ صدور روايته القصيرة - لكن وقعَهَا كان مهما - سانت تريز فكانت هى ورواية مُجايله الكاتب هانى عبد المريد "كرياليسون" علامة واضحه فى الإصدارات الروائية آنذاك، حيث خطت الروايتان تجاه المنطقة الشائكة التى قلما توغلت – إلا فى نصوص الراحل الكبير إدوارد الخراط وكذلك نصوص الكاتب المتميز جمال مقار – فى تقديم صورة القبطى أو الظواهر القبطية فى الواقع المصرى، وعلى الرغم من أن كتابة الرواية تعد من الصعوبة بما كان ذلك أنها النوع الأدبى الذى يفرض على صاحبه قيودا حادة لا ينفك من أسرها إلا إذا كتب نصه الإبداعى بصورة شائقة مضيفة إليه وإلى واقع الرواية العربية الذى يزخر بالرواية التى تعتبر فى النهاية مرآة لأى مجتمع.
وإذا كانت الرواية نوع أدبى امتاز بفضائه الكبير الذى يتيح للكاتب أن يطيل ويتعمق فى تقينيات السرد وفنون القص، إلا أن القصة القصيرة – التى درج الدارسون فى راهننا على المقارنة بينهما بوصفهما نوعين أدبيين ناتجين عن منبع واحد هو الملحمة – هى الأصعب فى الكتابة لأن كاتبها عليه أن يقدم الفعل ورد الفعل فى لغة كثيفة تتمتع بثراء كيفى وتنوع كمى ذلك لأنها أكثر الأنواع الأدبية مراوغة وتركيزا من الكاتب لتقديم نص قصير لقارئ ينتظر الإبداع فى حفنة من الكلمات، وذلك ما فعله بهاء عبد المجيد فى مجموعته القصصية الصادرة مؤخرا "طقوس الصعود" دار اكتب.
مَنْ يهتم بالفلسفة والشَّعب يبحث عن الخبز والوظيفة... هذه أهم جملة فى قصة "كريم أساس" التى تضمنتها المجموعة فنهلة تعاشر زوجها ماجد أستاذ الفلسفة الدءوب فى التقليل من شأنها والدعاء عليها ومن ثم إذلالها – وبالطبع تلك عادة مصرية وعربية أصيلة يمتاز بها الرجل الشرقى – وقد استعار الكاتب بهاء عبد المجيد كريم الأساس كمادة للتجميل لكنه لا يُجَمِّل واقع نهله القبيح والأساس هو الأساس الخاوى المبنى عليه علاقتها بزوجها – أستاذ الجامعة الفيلسوف المعقد – الذى لا ينتبه إلى ضرورتها فى حياته إلا عند لحظة رحيلها التى لم يُصدِّقها.
القصة تقليدية بكل ما فيها من سرد ولغة تتناسب مع عالمها إلا أن الصورة المستخدمة فى نهاية قصة كريم أساس هى أهم ما فيها حيث تتأبى نهلة على لحظة التعاطف الوحيدة التى يبديها تجاهها زوجها ماجد، نهلة وماجد صورة مثالية طرحها الكاتب نموذجا لكثيرين يعيشون معا لكن لا يعيشون، لذا فالنص إدانة كبيرة لممارسة الذكورة العربية التى يمارسها الرجل مُهيضا للمرأة التى تأبت على التسامح معه حتى لحظة النهاية، وإذا كانت هناك دواعى كثيرة للتجميل فإن التعايش فى الحياة يزيل الأقنعة.
فى قصص "طقوس الصعود" نماذج بشرية كثيرة أهمها عادل ابن القرية او "الإله الذهبى " الذى يخرج من القرية سعيا وراء لقمة العيش حتى يبيع نفسه لراغبات المتعة فى مدينة شرم الشيخ ذلك لما لديه من القوة والحيوية مما يهد بها الجبال، من الفردية التى يمثلها عادل الى الجماعية التى يعانيها العمال فى قرى شرم الشيخ هربا من الفقر المُدقع فى بلادهم او الانزلاق فى قارب هربا من البلد التى قست على ابناءها حتى باتوا بلا مأوى آمن فيها.
الفكرة فى القصة جيدة فعادل بيبع نفسه لراغبات المتعة بحماية مديره فى القرية الذى يستفيد هو الآخر، ومأساة الشباب فى مصر تزداد وكلٌ يبحث عن مخرج منها.
ولأن القصص فى مجموعة طقوس الصعود للكاتب بهاء عبد المجيد تريد ان تطرح كل شئ خاصة القضايا الاجتماعية فسارت على المنوال نفسه قصة "بئر الالوان" لعلى العامل البسيط فى أحد المصنع والد الطفل حسام القاطن فى حى شبرا ، تقدم القصة علاقة العامل على بابنه حسام الذى يعدّ نور حياته ومن ثم خوفه عليه من اللعب فى التيرو (منطقة سباحة تعمُّ بالقذارة فى شبرا) ثم علاقة على بالمهندس جورج الذى يعمل فى المصنع بعد الدراسة فى ألمانيا وقد طرحت القصة فيما طرحت تلك الوحدة الوطنية بين جورج وعلى العامل الذى يتوسم فيه جورج الجدية والموهبة فى التعامل مع الماكينة ، ثم حسام الصبى الذى يعمل فى الإجازة الصيفية فى متجر للقماش ومن ثم ترتاده النسوة . ثم انتهاء القصة بالزلزال الذى فاجأ الناس ومن ثم انتهاء القصة بقدر من الانهيار الاجتماعى الذى اصاب مصر نفسها فكان من مخلفاته خصخصة المصانع فتحول علىِ من عامل محترم يحترف العمل على الماكينة إلى رجل يسعى على رزقه اليومى بين الأعمال المختلفة كرجل أرزقى.
كل فكرة طرحتها القصة هى قصة فى حد ذاتها، علاقة الأب علىِ بالابن حسام قصة علاقة العامل علىِ بالمهندس جورج قصة اخرى ، تداول العلاقات بين الناس ابان عمل حسام فى متجر الاقمشة قصة اخرى ، قصة حب حسام لفتاة تَعلق فى ذهنه أحبها منذ الوهلة الاولى ولم يرها سوى مرة هى الاخرى قصة . لكن الكاتب بهاء عبد المجيد أراد أن يقول كل شئ فأتخم القصة.
إن الراوى العليم الذى سرد معظم قصص مجموعة طقوس الصعود للكاتب بهاء عبد المجيد قد اتخذ من الحالة السردية رصدا للشخصيات المروى عنها ، كما استخدم الوصف لكل جزئية من جزئيات تلك الحالة وان شملت القصص تضمينا لبعض القضايا المهمة التى يعانيها المجتمع المصرى منها البطالة ، الطبقية ، الوحدة الوطنية ، وقد كانت قضية الراوى الذى يمتلك أزمّة السرد هى إيصال قضايا اجتماعية كثيرة ومن ثم الكشف عن دواخل الشخصيات المتعددة المطروحة عبر السرد بأكثر الكلمات وضوحا ومباشرة.