بدأ مشروع نجيب محفوظ الروائى، بالعودة إلى التاريخ القديم، والتعمق فى روح الحضارة المصرية القديمة عبر رواياته الثلاث الأولى، "عبث الأقدار" 1939، "رادوبيس" 1943، "كفاح طيبة" 1944، وامتد أيضا إلى أعمال أخرى، منها روايتا "أمام العرش" 1983، و"العائش في الحقيقة" 1985، بل أن أول كتاب نشره صاحب نوبل في الأدب لعام 1988، هو كتاب مترجم بعنوان "مصر القديمة" للكاتب جيمس بيكي (سنة 1932) يقع في 299 صفحة من القطع الكبير.
ويلفت المؤلف إلى أن مثل هذه الروايات تضع الزمن الفرعوني وشخصياته وقيمه وتصوراته وصراعاته، يعود بنا المؤلف إلى كتاب صغير وضعه جيمس بيكي، بالإنجليزية، وترجمه الطالب الجامعي نجيب محفوظ عام 1932 وهو في العشرين من عمره، إذ يمكن أن نعد هذا الكتاب الذي أثار إعجابه فأقدم على ترجمته، أول صلة علمية بين الأديب الشاب، وإرثه الحضاري القديم.
يرسم الكتاب صورة شيقة للحياة اليومية في مصر القديمة، سواء في العاصمة أو في الريف، ويعنى بشخص فرعون كما يعنى بالفلاح والصياد، ويصف المعارك كما يصف النيل والحقول ومساكن الفقراء وطبائعهم. ويشبه المؤلف الكتاب بالخميرة المبكرة التي تفاعلت في ذهن الأديب الشاب.
ويبدو أن تأثر نجيب محفوظ بالحضارة المصرية القديمة، ربما رغبة منها قوية في استطلاع حياة الأجداد وأمجادهم، ومحاولة اسقاط الماضي على الحاضر، مثلما ذكر الناقد الكبير جابر عصفور في مقال سابق بعنوان «روايات نجيب محفوظ التاريخية» وهو ما حاول تفسيره وتحليله الدكتور محمد حسن عبد الله في كتابه «جماليات الحضور الفرعوني في روايات نجيب محفوظ» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب.
وفى كتبه يوضح محمد حسن عبدالله، يشير الناقد إلى أن «مصر القديمة» جاءت في الكثير من أعمال نجيب محفوظ منها: «عبث الأقدار – رادوبيس – كفاح طيبة - أمام العرش – العائش في الحقيقة» موضحا أن هذه الروايات الخمس تضع الزمن الفرعوني وشخصياته وقيمه وتصوراته وصراعاته في مركز الاهتمام، حتى وإن هدف بعض منها إلى أن يرسل ومضة إلى الحاضر، ليكتشف جانباً فيه يحتاج إلى تنبيه الوعي، أو حشد الخبرة بالماضي لتوديع المستقبل، وهنا سنجد مساحة هذا الحضور الفرعوني تتشكل فتمتد أو تنحسر حسب مقتضيات الرؤية وطبيعة التشكيل الفني.
وبحسب الدراسة فإن موسوعة «مصر القديمة» لعالم الآثار المصرية سليم حسن، كانت بمثابة الأصل الروحي والفكري والوجداني لما كتبه نجيب محفوظ عن الفراعنة استناداً إلى تطابق كثير من الوقائع، فقد قدّم محفوظ على سبيل المثال صورة خوفو مرتين في «عبث الأقدار» وهو يرى تمثال أبو الهول.
وفي رواية «رادوبيس» يذكر المؤلف أن نجيب محفوظ لجأ إلى أسلوب الإسقاط على الواقع من خلال تقديم صورة تاريخية قديمة تنتقد بشكل غير مباشر ما يحدث في الواقع الراهن، وتحديداً الشائعات عن فساد الملك الشاب «فاروق» زمن كتابة الرواية، وتراجع وصفه بـ«الملك الصالح».