زكي نجيب محمود معدًا إذاعيًا ..حكاية 17 "اسكريبت" فى الإذاعة

تمر اليوم الذكرى الـ 29 على رحيل المفكر الكبير زكى نجيب محمود الذى توفى يوم 8 سبتمبر من سنة 1993 عن عمر ناهز الـ 88 عاما، وقد كان فيلسوفا ومبدعا وله وجه آخر هو "معد إذاعي". ففي ملف متوسط الحجم كنت على موعد مباغت بشيء في غاية الندرة والطرافة في آن، فقد اكتشفت وظيفة أخرى قام بها العالم المفكر الكبير زكي نجيب محمود في حياته المديدة، فمعروف أن زكي نجيب محمود قد عمل مدرسا وكاتبا وأستاذا جامعيا وعضوا في لجان الترجمة والنشر وحتى دبلوماسيا، لكن أن أكتشف أنه عمل معدا في الإذاعة المصرية فقد كان هذا الأمر غاية في الطرافة بالنسبة لي. حوالي 17 "اسكربت إذاعي" دفعة واحدة، بعضها لا يتجاوز الثلاث ورقات، والبعض الآخر أكبر بكثير، واللافت إن هذه الـ"اسكربتات" كتبت كلها على الآلة الكاتبة، وأنها كلها كتبت في أجواء الخمسينات وبداية ثورة يوليو حيث أعطت الغلبة للموضوعات المتعلقة بالثورة والتنظير لها، وقد أثبت "زكي نجيب محمود" على رأس بعضها الغرض من كتابتها فكتب أسفل العنوان "أعدها للإذاعة" زكي نجيب محمود" بينما لم يكتب هذه الجملة في البعض الآخر، لكننا نستشف من طريقة كتابتها وتشابه موضوعاتها وتطابق نوعية الورق وطريقة الكتابة من أنها أعدت لغرض واحد، وجاءت عناوين تلك الـ"اسكربتات" كالتالي (تحية للشاعر إبراهيم طوقان شاعر فلسطين، الأدب في المجتمع الاشتراكي، الشخصية الآسيوية الأفريقية ومقوماتها، الكون والفساد تأليف أرسطو طاليس وترجمة أحمد أمين، دروس تعلمناها من محنة العدوان، صور من الآداب الشرقية، الجامعة والمجتمع في عهد الثورة، حرية الكلمة في الميثاق، الثورة تخلق قيما جديدة، الفكر العربي المعاصر والقيم الإنسانية، القيم الإنسانية في الفكر العربي المعاصر، تطور العلم عند العرب1، تطور العلم عند العرب2، تطور العلم عند العرب3، مقومات الفكر العربي المعاصر، صور من الآداب الشرقية 3 ، اتجاهات الفكر المعاصر الاشتراكية وحرية الإنسان). وقد رأيت أن أننقل هنا النص الكامل لأحد هذه الـ"اسكربتات" لعدة أسباب: أولا ليكون شاهدا على عصر كبير كانت النخب الحقيقية هي التي تولى توجيه الرأي العام، ثانيا لأضرب نموذجا لما يجب عليه أن يكون المثقف الحقيقي تجاه قضايا وطنه، فها هو "زكي نجيب محمود" يقف مع ثورة يوليو بكل جوارحه وينظر لنظام الحكم الاشتراكي بما يقنع العقل لا بما يصم الأذن، ثالثا لأظهر للجميع كيف كانت لغة الإعلام في مصر وقت أن كانت مصر تقول فيسمع الجميع. الاشتراكية وحرية الانســـــان اعده للإذاعة : الدكتور زكي نجيب محمــــــود طبيعة الانسان التي ولد بها هي ان يكون حرا، إنه لا يجادل في هذه الحقيقة الناصعة إلا مغرض يريد أن يحقق لنفسه أطماعا شخصية على حساب حقوق الآخرين ولكن ماذا نعنى بهذه الكلمة السحرية التي ما فتئ الإنسان يتغنى بها منذ خلقه الله انسانا؟ حتى أعداء الحرية انفسهم لم يجرؤوا أن يعلنوا عداوتهم لها، فتراهم يطلقون اسم الحرية على ما شاءت لهم أنفسهم الجشعة من ظلم وطغيان - فباسم الحرية ونشرها استبد المستبدون واستعمر المستعمرون واستغل المستعلون؟ وانا أسأل الآن : ماذا نعنى بهذه الكلمة السحرية القاهرة التي هي من طبيعة الانسان وفطرته في صميم الصميم؟ للحرية معنيان أساسيان : أحدهما سلبي والآخر إيجابي، والمعنى السلبى هو الذي ألاحظ أنه الأعم والأغلب في اذهان معظم الناس، على أن معناها الايجابي هو أجدر بالتنبه والوعي، فإما المعنى السلبي فهو الشائع المعروف من ان حرية الحر هــی تخلصه من قيود كانت تغله، كما تطلق السجين من محبسه، أو كما تفك الأغلال من المقيد بها فتنطلق حركته بعد أن كانت مقيدة. ومن هذا القبيل نفسه أن تحرر أمة من حكم المستعمر الذي يتسلط على أقدارهــــا وخطاها، لكن هذه الحرية الـ"سلبية" على أهميتها البالغة لا تكون شيئا إذا قيست بالحرية الايجابية التي لابد أن تجي - مرحلة ثانية مكملة لها، والتي بغيرها تكون الحرية السلبية کالمركب التائه على سطح الماء لا يعرف لنفسه هدفا يتجه إليه ويرسو عنده. وأقصد بالحرية الإيجابية قدرة الإنسان على أن يتصرف فيما بين يديه من قوى ومواد، فلو أعطيت كل المواد اللازمة لبناء منزل لو أعطيتها لمن لا دراية له بكيف يكون البناء . كانت له حريته السلبية وحدها، لأن أحدا لا يفيد، ولا يحول بينه وبين أن يعمـل لكن لم تكن له الحرية الايجابية التي تمكنه من استخدام هذه المواد التي أعطيت لـــه فالحرية الايجابية قدرة ومعرفة وعمل، قارن بين رجلين قدم لهما جهاز علمی ـ مثلا ـ وكان لأحدهما دراية به وبطريقة استخدامه، على حين كانا الآخر محروما من هذه الدراية، أفلا يكون أولهما متمتعا بنوع من الحرية، إزاء هذا الجهاز العلمى، لا يتمتع بهــ الثاني؟ فماذا تقول في نظام اجتماعی يهيئ لأفراده السلبية السلبية ويسد عليهم سبل الحــرية الايجابية ؟ وماذا تقول في نظام اجتماعي يقال فيه للافراد انكم أحرار؟ فاعملوا ماشــــــــــتم لا قيد عليكم، حتى إذا ما هم هولاء الافراد أن يلتمسوا العمل، وجدوا الصعاب قائمـة في وجوههم، لأن أصحاب المصالح يوجهونه كيف شاءوا؟ تلك هي حرية النظام الرأسمالي فلا قيد على الناس، ولكن لا تهيئة للظروف الملائمة التي تجعل صاحب القدرة يستخدم قدرته الى المدى الذي يستطيع ان يستخدمها في حدوده. وليس كذلك النظام الاشتراكي لأنه نظام لا يقف عند حدود الحرية السلبية بل يجاوزها الى الحرية الايجابية، إذ يضع كل فرد في الظروف التي تمكنه من استغلال قدراته ومن التصرف في حياته العلمية والعملية إلى آخر مدى في وسعه، فاذا قلنا إن الحرية هي أهم ركن من أركان الطبيعة البشرية وعلى أساسها تنبني مسئوليته الاخلاقية أمام نفســه وأمام الناس( وأمام ربه ) فإنما نعنى الحرية بعينها، السلبي والايجابي معا، فالسلبی تزال الحواجز والإيجابي تهيأ ظروف العمل، كل لما أعد له. ولست أدري إلى أی هاوية تنحدر الانسانية إذا لم يتغير الاطار الاجتماعي تغيرا يساير ما قد حدث فعلا من تغير في طريقة العمل إبان هذا القرن العشرين؟ فقد زاد استخدام الآلة التي تسير يفعل البخار والبترول والكهرباء وها هي ذي الطاقة الذرية قد أخذت تتسلم دورها، أقول ان استخدام الآلة قد اخذ يزداد في هذا القرن العشرين ازديادا أدى ـ في حساب علماء الإحصاء ـ أن يكون للإنسان الآن 3 ٪ فقط من العمل يعمله بيديه. وللحيوان 1 % وللآلة ٧٦ % وطبيعة الحال سوف تطرد هذه الزيادة بنسبة أكبر عندما يتم استخدام الطاقة الذرية على مدى أوســع. ولك ان تتصور ماذا تؤدي إليه هذه الحالة من تركيز لرأس المال في أياد قليــــــلة جدا ، في أرجاء العالم كله، وإذا قلنا تركيز رأس المال في أياد قليلة فقد قلنا إن مصائر ملايين البشر تصبح رهينة اصحاب ذلك المال المركز، فماذا يجدي عندئذ أن يقــال لهؤلاء الملايين، اذهبوا فانتم الأحرار. لكل منكم ان يعمل ما يشاء وما يستطيع ؟؟ إنها حرية سلبية لا تجدى إلا قليلا ، ما داموا محرومين من الحرية الايجابية التي تكملها ولا منجاة من هذه الكارثة المحتومة إلا بنظام اشتراكي يجعل المال بغير رأس فلا يكون لـه تركيز في يد واحدة أو في أياد قليلة ، بل يكون للجميع حتى لا يكون سيد ومسود، فتنهار الحرية من أساسها، وبالتالي تنهدم طبيعة الانسان . لقد تولدت عن النظام الرأسمالي قيم تناسبه لكنها تجافي الطبيعة البشرية الأصيـلـة ولذلك التمس الانسان عزاءه، من طبيعته تلك الضائعة في انتظار الحياة الآخرة لتعوضه عما قــد فقد، فمن القيم التي كانت تناسب الرأسمالية أن الإنسان قد يفضل زميله الإنسان بالميلاد (أو بإرادة الله) او القوانين الطبيعية، وحتى الذين كانوا يتحدثون عن "المساواة ، فإنما قصدوها على المجال السياسي وحده دون المجالين الاقتصادي والاجتماعي، نعم كان للعالم الزراعـي الأجير في نظر القانون صوت في الانتخاب السياسي، كما كان لسيده صوت؟؟ لكن هيهـــات ان يكون هذا التعادل في الأصوات عوضا عن تعادل في المكانة الاجتماعية وتعادل في القدرة الاقتصادية. حتى لقد كان في وسع صاحب المال أن يبيع أرضه لصاحب مال آخر . بكل ما عليها من أفراد البشر ، الذين هم يسارونه في الحقوق السياسية • وبديهي ان تتولد عن النظام الاشتراكي قيم أخرى هي ألصق بالطبيعة البشرية وأفصــح تعبيرا عنها. فالمساواة بين الانسان والانسان لا تقتصر على الحقوق السياسية وحدها بل تتسع حتى تصبح تكافؤا للفرص بشتى ضروبها ، فلا يكون تعليم عال ولا يكون عمل فني ولا تكون قيادة إلا لأصحاب المواهب والقدرات، على أن حدا أدني من العيش الكريم يكون مكفولا للجميع موهـوبـا وغير موهوب على حد سواء • لقد كانت القيمة كل القيمة لصاحب الجاه الموروث ولصاحب النفوذ الذي يكسر القوانـــــــــــين بنفوذه، ونفوذ مستمد من ماله ، وماله في الأعم الأغلب مستمد من شهادة ميلاده، لكن القيمة كل القيمة في النظام الاشتراكي ستصبح لصاحب الموهبة ولصاحب القدرة على أن يستخدمها في ظل القانون وفي خدمة الناس أجمعين .. فموهبته مستمدة من الفطرة لا من شهادة الميلاد. إلا أن طبائع الناس لمختلفات ، لكنها ـ في ظل الاشتراكية ـ تتفتح كلها بحسب كوامنها كما تتفتح الزهور كلها على اختلاف ألوانها في ضوء الشمس.














































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;