علم الحديث النبوى قديم وله علومه، والجميع يعر فأن صحيح الإمام البخارى الذى عاش في الفترة بين عامي (194 هـ - و256 هـ) لكن هل كان الإمام البخارى هو أول من جمع الحديث النبي، هذا ما سنعرفه معا.
المعروف أن الحديث النبوى لو يدون في زمن النبى محمد، عليه السلام، بل الثابت أنه عليه السلام قد نهى عن تدوينه، فقد روى أبو سعيد الخدرى عن النبى محمد قوله: "لا تكتبوا عنى ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه، وحدثوا عنى ولا حرج. ومن كذب على متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"، إلا أن هناك بعض الحالات التى أذن النبى محمد فيها بتدوين أحاديث كحديث أبى هريرة عن خطبة النبى محمد عام فتح مكة حين قتلت خزاعة رجلاً من بنى ليث بقتيل منهم قتلوه، حيث طلب رجل من أهل اليمن من النبى محمد أن يكتب له الخطبة، فأمر النبى محمد بكتابتها له.
وقد رأى بعض العلماء أن النهى عن الكتابة كان وقت نزول القرآن، خشية التباس القرآن بالحديث، وقد عمد بعض الصحابة مبكرًا إلى تدوين الحديث وجمعه بعد وفاة النبى محمد كابن عباس الذى كان يدور على الصحابة ليسألهم، ويكتب ما يحدثونه به من أحاديث سمعوها من النبى محمد.
بدأت محاولات جمع وترتيب الحديث فى منتصف القرن الثانى الهجرى على يد الربيع بن صبيح ثم سعيد بن أبى عروبة، تلاها ما جمعه ابن جريج فى مكة، ومالك فى موطأه فى المدينة، والأوزاعى فى الشام، وسفيان الثورى فى الكوفة، وحماد بن سلمة فى البصرة ومعمر بن راشد الصنعانى فى اليمن والليث بن سعد فى مصر بما تيسّر لهم من أحاديث، وقد صنّف هؤلاء ما جمعوه ورتّبوه وبوّبوه بحسب الأبواب والمواضيع الفقهية، وضمّوا إليها بعض أقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
وقد أرّخ جلال الدين السيوطى فى ألفيته لبدايات جمع الحديث بأبيات قال فيها:
أول جامـع الحديث والأثر
ابن شهــاب آمــرً لـه عُـمــر
وأول الجـامــع للأبـــواب
جماعة فى العصر ذو اقتراب
كابن جُريـج وهُشيـم مالك
ومُـعـمّــر وولــد المبـــارك
وأول الجـامــع باقتـصــار
على الصحيح فقط البخـاري
ومُســلم مـن بعـــده، والأول
على الصواب فى الصحيح أفضل
وقد انتقل تدوين الحديث إلى طور آخر أكثر تطوّرًا، وازدهر التدوين بازدهار تأليف الكتب فى عصر هارون الرشيد، وتشعّب وتنوّع، فظهرت منه الموطآت والمصنفات والمسانيد والسنن والأجزاء والجوامع والمستدركات والمستخرجات. وبلغ التدوين عصره الذهبى بحلول القرن الثالث الهجرى الذى ظهر فيه الكتب الستة، وانتشر فيه الكثير من علماء وحُفّاظ الحديث الذين أسّسوا لعلوم الحديث كابن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن المدينى ويحيى بن معين والبخارى ومسلم وأبى زرعة الرازى وأبى حاتم الرازى وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمى وعثمان بن سعيد الدارمي.
واستمرت عملية جمع وتدوين الحديث وتصنيفه وترتيبه حتى نهاية القرن الخامس الهجري، ثم انتقل إلى مرحلة أخرى وهى مرحلة "نقد الحديث" تصحيحًا وتضعيفًا، ونقد رجاله تجريحًا وتعديلاً، وتناول المتن شرحًا وانتخابًا، لما جمعه الأولون من مؤلفات فى القرون الخمسة الأولى، فجمعوا شتات الأقوال النقدية حول الحديث المروى عند الأولين من تعليل للمتن وتجريح وتعديل للرواة ووصل وإرسال وانقطاع للسند. فنتج عن ذلك أن أكثروا من كتب مصطلح الحديث التى رتّبوا فيها الحديث وهذّبوه وتناولوه بالشروحات.