"الحكم لمن غلب"، كانت القاعدة الرئيسية التي اعتمد فيها المماليك في حكمهم، حتى وصلت إلى قتل أو اغتيال أكثر من عشرين سلطانًا، نتيجة مؤامرات بين الأمراء وبين السلاطين المماليك، ومن يتابع تاريخ الدولة المملويكة منذ البداية يعرف أنها قامت على مبدأ الدم منذ البداية.
وتمر اليوم ذكرى قيام الملك عز الدين أيبك بالتخلص من منافسه في الحكم الأمير أقطاي، وبذلك توطد له حكم المماليك، وذلك في 18 سبتمبر عام 1254، وهو صورة من صور المؤمرات التي قام بها الأمراء والحكام ضد بعضهم البعض، لكن هذه المؤمرات بدأت منذ نهاية الدولة الأيوبية، وبالتحديد عندما قامت السلطانة شجرة الدر بالتخلص من نجل زوجها نجم الدين، السلطان توران شاه.
وبحسب ما ذكر فى المجلد السادس، من موسوعة "النجوم الزاهرة" لابن تغر بردى، يتضح أن توران شاه لم يكن رجل سياسى، فرغم أنه كان فى بدايته اشتبشر الناس به خيرًا، إلا أنه اظهر ما نفر منه الجميع، ويذكر المؤلف انه احتجب عن الناس أكثر من أبيه العادل، وكان إذا سكر يجمع الشموع ويضرب رؤسها بالسيف فيقطعها ويقول "هكذا أفعل بالبحرية" يقصد مماليك أبيه الذى جعلهم بقلعة البحر بجزيرة الروضة، ثم يسمى مماليك أبيه بأسمائهم، وإهانتهم.
كما كان يرسل لزوجه أبيه شجرة الدر، التى سافرت إلى القدس بعد وفاة والده، ويهددها ويطلب منها المال والجواهر، فخافت منه، ممن جعلها تكتب العديد من الشكاوى للمماليك، فاتفق الجميع على قتله، وفى يوم 27 محرم وهو جالس على السماط فضربه بعد المماليك بالسيوف التى أدت لقطع أصابع يبده، ثم دخل البرج الخشب وكان بفارسكور حينها، وصاح: "من جرحنا؟"، قالوا الحشيشية. فقال: "لا والله البحرية، والله لا أبقيت منهم بقية".
واستدعى المزين فخيط يده وهو يتوعدهم، فقال بعضهم لبعض، تمموه ولا أبادكم، فدخلوا عليه إلى أعلى البرج، فأوقدوا النيران حوله البرج ورموه بالنشاب، فرمى نفسه وهرب نحو البرج وهو يقول: ما أريد ملكًا، دعونى أرجع إلى الحصن يا مسلمون، ما فيكم ما يصطعنى ويجيرن"، وكانت العساكر واقفه فما أجابه أحد، فتعلق بذيل الفارس أقطاى فلم يجيبه، فقطعوه إلى أشلاء وبقى على جانب البحر ثلاثة أيام منتفخًا لا يحسر أحد أن يدفنه حتى شفع فيه رسول الخليفة العباسى، حتى دفنه.
واستعان كاتب موسوعة "النجوم الزاهرة" بشعر لـ عماد الدين بن درباس، يقول: رأى بعض أصحابنا الملك الصالح أيوب فى المنام يقول:
"قتلوه شر قتله/ صار للعالم مثله/ لم يراعوا فيه إلا لا ولا من كان قبله/ ستراهم عن قليل/ لأقل الناس أكله"، وكانوا قد جمعوا فى قتله ثلاثة أشياء السيف والنار والماء، وهكذا كانت نهاية آخر خلفاء دولة الناصر صلاح الدين وآخر سلاطين الدولة الأيوبية.