يملك عمرو العادلى مفهوما واضحا للفن والكتابة، قدمه من خلال رواياته ومجموعاته القصصية، ومؤخرا قرأت له مجموعته القصصية بائع السخانات، الصادرة عن دار نشر كيان، والتى تأتى فى 6 قصص طويلة نسبيا، مشحونة بالأفكار واللغة المعبرة، لذا أجرينا معه هذا الحوار حول مفاهيم الفن والكتاب والرواية والقصة القصيرة والغرض من الكتابة.. فإلى نص الحوار..
كل أبطال المجموعة فى سن الخامسة والخمسين ولديهم قلق ما.. ما الذى يزعج عمرو العادلى من هذا العمر؟
هو السن الذى سأقبل عليه بعد ثلاث سنوات من الآن، أختبره من خلال أبطال القصص، أحاول معرفة أسراره وما يخبئه عنا نحن القراء، فالكاتب بعد أن ينتهى من حمولته القصصية أو الروائية يتحول إلى قارئ.
قدمت ست قصص طويلة .. هل أنت من أصحاب نظرية "الكتابة المشبعة" فى عالم القصة؟
أنا من أنصار نظرية عدم الاعتراف بالنوع الأدبي، لا أفصل بين القصة القصيرة والنوفيلا والرواية، المهم هو توصيل الحالة الشعورية المطلوبة للقارئ، وهذا أهم من وجهة نظري، لكنى لا أنكر أن طول القصص كان فى ذهنى أثناء الكتابة، يشغلنى أن تصل الحالة كاملة، فكنت مسترخيا بين توتر القصة القصيرة ورحابة الرواية، لم أفكر إن كان ما أكتبه سينتمى إلى القصص أم الروايات، كل ما يشغلنى أثناء الكتابة هو أن تكتمل فكرتى فقط، هذا هو الشيء الوحيد الذى يريح ضميرى ويجعلنى أعطى إشارة بالنشر.
ليست مجرد قصص فالأفكار لها مكان واضح والرسالة يمكن أن نصل إليها .. أيهم يؤرقك أكثر الفكرة أم الفن؟
لا أفصل بين الاثنين، الفكرة جزء من الفن، لكن الأسلوب يرتبط أكثر بالعنصر الفني، وأنا مهتم بالشكل والأسلوب كما أنا مهتم بتوصيل الفكرة، فى مجموعتى الأولى كتب ناقد دراسة وتوصل فيها إلى أننى كاتب تقودنى الفكرة، وما زالت دراسته صالحة لكتاباتى حتى الآن.
تملك المجموعة لغة رشيقة فلا تشعر بالملل أبدا رغم طول القصة.. ما مفهوم الكتابة عن عمرو العادلي؟
أكتب ما أحب أن أقرأه، فقط هذه هى المعادلة بمنتهى البساطة، كل كاتب يشعر بأن ما يقرأه ينقصه شيء ما، وعليه هو أن يكمل المربع الناقص، يعنى مثلا، فى قصة بائع السخانات كان فى ذهنى كل الأشخاص الذين يتسمون بالطيبة ممن أعرفهم، وهم كثر، حاولتُ أن أجعل من تلك الشخصية أيقونة للمغلوبين، أنا أهتم جدا بالمغلوبين، لأننى بشكل أو بآخر واحد منهم، لست مهمشا بالمعنى الحرفي، لكن تجربتى الحياتية مليئة بنماذج بشرية لا يمكن لأحد أن يتصور مجرد وجودها.
المقاومة تيمة أساسية فى المجموعة .. هل تؤمن بقدرة الإنسان على فهم أحواله وتغييرها؟
القصص هى التى تجيب عن هذا السؤال، مصير الأبطال الستة ربما يكون إجابة مقنعة، لأن الإنسان لا يفهم بقدر ما يحاول الفهم، ربما تنجح محاولته، وربما تفشل، لكنه مستمر طوال الوقت فى الرصد.
المجموعة أزمنها مختلفة لكنها مشغولة فى مجملها بالإنسان وأزماته وقضاياه.. هل على الكتابة أن تحمل هما دائما؟
الكتابة بلا هم أو قضية تصبح مجرد تسالي، لا أقول أن الكاتب يجب أن يحمل قضاياه كما يحمل المحارب سيفه بشكل دائم، ولكن على الأقل أن يكون على علم بأن الكتابة ليست ميدان للتسالي، ولكنها تجربة لابد أن تنبع من روح الإنسان، مشكلاته، قضاياه، هواجسه وأحلامه ومخاوفه الدائمة من الفقد والموت، هى قضايا لا تسقط بالتقادم من صفحات الأدب، لكنها هى ناره المشتعلة دائما.
عمرو العادلى يكتب الرواية والقصة ومتميز فى النوعين لكن أيهما يملك عليك شغفك ويجعلك أكثر حماسة؟
لا أشعر بأى فرق بين النوعين، وكلما تابعت آراء كاتب ينتصر للقصة القصيرة باعتبارها أصعب الأنواع الأدبية اكتشفت أنه كاتب قصة فقط، وكلما تتبعت آراء كاتب ينتصر لكتابة الرواية باعتبارها ديوان العرب الحديث، أكتشف أنه لا يكتب سوى الرواية، وبما أننى أكتب الاثنين فيمكننى القول أننى أكتب القصة بروح القصة المتوترة، وأكتب الرواية أيضًا بروح القصة المتوترة، فالقصة أقرب لروحى الإبداعية، ليس باعتبارها الضد أو المقابل لكتابة الرواية، ولكن لأن الرواية نفسها عبارة عن قصص مضفرة ومنسوجة بإحكام، ولدينا أمثلة لإثبات ذلك، موبى ديك عبارة عن مجموعة قصص، دون كيخوتة أيضا قصص، الحرافيش، مئة عام من العزلة.
كل كاتب تحركه قناعاته، وأنا أحاول التجريب طوال الوقت، انتهيت منذ عدة أشهر من كتابة مسرحية، لم أشعر بأننى "غيرت الصنف" فيمكن أن أحول تلك المسرحية إلى قصة، أو إلى رواية، ويمكننى تحويل أروع قصص الأدب فى العالم إلى قصة للأطفال، الأدب لا حدود له، وهذا أجمل ما فيه.