نحتفل اليوم بميلاد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، في الـ 12 من شهر ربيع الأول، ويقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير تحت عنوان "باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم":
ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين لما رواه مسلم فى صحيحه من حديث غيلان بن جرير بن عبد الله بن معبد الزمانى، عن أبى قتادة أن أعرابيا قال: يا رسول الله ما تقول فى صوم يوم الاثنين؟
فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل على فيه".
وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبى عمران، عن حنش الصنعانى، عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين. تفرد به أحمد.
ورواه عمرو بن بكير، عن ابن لهيعة وزاد: نزلت سورة المائدة يوم الاثنين "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" [المائدة: 3]، وهكذا رواه بعضهم عن موسى بن داود به، وزاد أيضا وكانت وقعة بدر يوم الاثنين، وممن قال هذا يزيد بن حبيب، وهذا منكر جدا.
قال ابن عساكر: والمحفوظ أن بدرا، ونزول "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" يوم الجمعة. وصدق ابن عساكر.
وروى عبد الله بن عمر، عن كريب، عن ابن عباس: ولد رسول الله ﷺ يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين.
وهكذا روى من غير هذا الوجه عن ابن عباس أنه ولد يوم الاثنين، وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد ﷺ يوم الاثنين، وأبعد بل أخطأ من قال: ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع الأول، نقله الحافظ ابن دحية فيما قرأه فى كتاب (أعلام الروى بأعلام الهدى) لبعض الشيعة.
ثم شرع ابن دحية فى تضعيفه وهو جدير بالتضعيف إذ هو خلاف النص، ثم الجمهور على أن ذلك كان فى شهر ربيع الأول، فقيل: لليلتين خلتا منه، قاله ابن عبد البر فى (الاستيعاب) ورواه الواقدى، عن أبى معشر نجيح بن عبد الرحمن المدنى.
وقيل: لثمان خلون منه، حكاه الحميدى، عن ابن حزم، ورواه مالك، وعقيل، ويونس بن يزيد، وغيرهم، عن الزهرى، عن محمد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية فى كتابه (التنوير فى مولد البشير النذير).
وقيل: لعشر خلون منه، نقله ابن دحية فى كتابه، ورواه ابن عساكر عن أبى جعفر الباقر، ورواه مجالد عن الشعبى كما مر.
وقيل: لثنتى عشرة خلت منه، نص عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبى شيبة فى (مصنفه) عن عفان، عن سعيد بن مينا، عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات، وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم.
وقيل: لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة.
وقيل: لثمان بقين منه، نقله ابن دحية من خط الوزير أبى رافع بن الحافظ أبى محمد بن حزم عن أبيه، والصحيح عن ابن حزم الأول أنه: لثمان مضين منه، كما نقله عنه الحميدى وهو أثبت.
والقول الثانى: أنه ولد فى رمضان، نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قول غريب جدا، وكان مستنده أنه عليه الصلاة والسلام أوحى إليه فى رمضان بلا خلاف، وذلك على رأس أربعين سنة من عمره، فيكون مولده فى رمضان، وهذا فيه نظر والله أعلم.
وقد روى خيثمة بن سليمان الحافظ، عن خلف بن محمد كردوس الواسطى، عن المعلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن جعفر، عن الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ يوم الاثنين فى ربيع الأول، وأنزلت عليه النبوة يوم الاثنين فى أول شهر ربيع الأول، وأنزلت عليه البقرة يوم الاثنين فى ربيع الأول، وهذا غريب جدا، رواه ابن عساكر.
قال الزبير بن بكار: حملت به أمه فى أيام التشريق فى شعب أبى طالب، عند الجمرة الوسطى. وولد بمكة بالدار المعروفة بمحمد بن يوسف أخى الحجاج بن يوسف لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عثمان بن عقبة بن مكرم، عن المسيب بن شريك، عن شعيب بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: حمل برسول الله ﷺ فى يوم عاشوراء فى المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل.
وذكر غيره أن الخيزران وهى أم هارون الرشيد لما حجت أمرت ببناء هذه الدار مسجدا، فهو يعرف بها اليوم.
وذكر السهيلى أن مولده عليه الصلاة والسلام كان فى العشرين من نيسان، وهذا أعدل الزمان والفصول وذلك لسنة اثنتين وثمانين وثمانمائة لذى القرنين، فيما ذكر أصحاب الزيج. وزعموا أن الطالع كان لعشرين درجة من الجدي، وكان المشترى وزحل مقترنين فى ثلاث درج من العقرب، وهى درجة وسط السماء، وكان موافقا من البروج الحمل، وكان ذلك عند طلوع القمر أول الليل. نقله كله ابن دحية والله أعلم.
قال ابن إسحاق: وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وهذا هو المشهور عن الجمهور.
قال إبراهيم بن المنذر الحزامى، وهو الذى لا يشك فيه أحد من علمائنا، أنه عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل، وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل.
وقد رواه البيهقى من حديث أبى إسحاق السبيعى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله ﷺ عام الفيل، كنا لدين قال: وسأل عثمان رضى الله عنه قباث بن أشيم أخا بنى يعمر بن ليث أنت أكبر أم رسول الله ﷺ؟ فقال: رسول الله ﷺ أكبر مني، وأنا أقدم منه فى الميلاد.
ورأيت خزق الفيل أخضر محيلا.
ورواه الترمذى والحاكم من حديث محمد بن إسحاق به.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله ﷺ عام عكاظ ابن عشرين سنة.
وقال ابن إسحاق: كان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة، وكان بناء الكعبة بعد الفجار بخمسة عشر سنة، والمبعث بعد بنائها بخمس سنين.
وقال محمد بن جبير بن مطعم: كانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبناء الكعبة بعد عكاظ بعشر سنين، والمبعث بعد بنائها بخمس عشرة سنة.
وروى الحافظ البيهقى من حديث عبد العزيز بن أبى ثابت المديني: حدثنا الزبير بن موسى، عن أبى الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكنانى ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله ﷺ؟ قال: رسول الله ﷺ أكبر مني، وأنا أسن منه.
ولد رسول الله ﷺ عام الفيل، ووقفت بى أمى على روث الفيل محيلا أعقله، وتنبأ رسول الله ﷺ على رأس أربعين سنة
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال، حدثنا نعيم يعنى - ابن ميسرة - عن بعضهم، عن سويد بن غفلة أنه قال: أنا لدة رسول الله ﷺ، ولدت عام الفيل.
قال البيهقي: وقد روى عن سويد بن غفلة أنه قال: أنا أصغر من رسول الله ﷺ بسنتين.
قال يعقوب: وحدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا عبد العزيز بن أبى ثابت، حدثنى عبد الله بن عثمان بن أبى سليمان النوفلي، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل، وكانت بعده عكاظ بخمس عشرة سنة، وبنى البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله ﷺ على رأس أربعين سنة من الفيل.
والمقصود أن رسول الله ﷺ ولد عام الفيل على قول الجمهور، فقيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يوما، وقيل: بخمسين يوما - وهو أشهر -.
وعن أبى جعفر الباقر: كان قدوم الفيل للنصف من المحرم، ومولد رسول الله ﷺ بعده بخمس وخمسين ليلة.
وقال آخرون: بل كان عام الفيل قبل مولد رسول الله ﷺ بعشر سنين، قاله ابن أبزى، وقيل: بثلاث وعشرين سنة.
رواه شعيب بن شعيب عن أبيه، عن جده كما تقدم.
وقيل: بعد الفيل بثلاثين سنة. قاله موسى بن عقبة عن الزهرى رحمه الله، واختاره موسى بن عقبة أيضا رحمه الله.
وقال أبو زكريا العجلاني: بعد الفيل بأربعين عاما. رواه ابن عساكر، وهذا غريب جدا. وأغرب منه ما قال خليفة بن خياط: حدثنى شعيب بن حبان، عن عبد الواحد بن أبى عمرو، عن الكلبي، عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ قبل الفيل بخمس عشرة سنة.
وهذا حديث غريب ومنكر وضعيف أيضا، قال خليفة بن خياط والمجتمع عليه أنه عليه السلام ولد عام الفيل.