الثقافة المصرية متعددة وذات روافد عديدة، وكل أقليم ومحافظة لها طبعها الثقافى والفنى الخاص، الذى يوضح هذا التنوع، ولعل الصعيد ملئ بالعديد من العناصر الثقافية والفنية الفريدة، التى توضح تعدد الموروث الشعبى بين فولكلوريات وسير وملاحم شعبية وممارسات شعبية وحرف تراثية، ومن تلك الأعمال التى ربما توضح هذا التنوع الهائل كتاب "الثقافة الشعبية فى جنوب مصر" للباحث الدكتور أحمد الليثى والصادر عن هيئة الكتاب.
وتناول الباحث أثر الإبداع الشعبى فى جنوب الصعيد، كذلك تناول الباحث الممارسات الشعبية فى شلاتين وحلايب، كذلك تطرق الباحث في كتابه للفنون الشعبية في صعيد مصر وتناول كذلك الحرف التقليدية وارتباطها بالمأثور الشعبي، تناول الباحث الممارسات الشعبية حول نهر النيل في صعيد مصر، ويضم الكتاب العديد من الفنون والإبداعات التي أنتجها الشاعر والفنان الشعبي وتري في الكتاب ملامح الشخصية الجنوبية التي اكتسبت سماتها من هذا النهر العذب، كذلك تتنسم في طياته اريج الجنوب وتري شموخ النخيل، وتميز الليثي بثقافته الموسوعية وله العديد من الاصدرات التي أثرت الثقافة الشعبية وحركة الإبداع في ربوع مصر.
ويبدأ الباحث حديثه في الكتاب بالإشادة بالتقسيم الإقليمى التى تضعه الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو التقسيم الصائب والسليم من وجهة نظر مؤلف الكتاب، لكن بشرط حتمية وضرورة التبادل الثقافى والترابط بين الأقاليم الثقافية بعضها ببعض بين الحين والحين، بتبادل أنشطة والفنون التراثية والأدبية والشعبية بحيث نؤكد على بين حين وآخر على الترابط والتواصل والاندماج والتمازج بين أقاليمنا الثقافية المترامية الأطراف.
ويوضح الباحث أن كل مركز وقرية في محافظة سوهاج، نجد بينهم ثمة ترابط وثيقا من الناحية الأثرية، وكذلك من ناحية الإبداع، فى السيرة والموال والمديح والإنشاد الديني حيث وجود مقامات الأولياء والموالد الشعبية التي تقام لها.
وعرض الكاتب الأغاني الشعبية في الجنوب، مبينا أن الكثير من هذه الأغاني تعود أصولها إلى العصور الفرعونية القديمة، كذلك تطرق للأمثال الشعبية والمواويل والترديدات الشعبية للسيرة الهلالية، وكيف أصبحت الأخيرة أكبر منجز ثقافي وإبداعي خرج من الجنوب، وأثرها الإبداعى التى تخطى حدود مصر.
الكاتب عرج أيضا إلى فن الكف الجغرافى الأسوانى، التى تعود أصوله أيضا إلى العصور الفرعونية، وأنه لا يشبه أى فولكلور آخر فى العالم، إلا التراث السودانى والأفريقى، وتحدث عن فن الواو وأهم رواده، موضحا أن موطن هذا الفن هو محافظ قنا وأن الناس هناك توارثوه من ابن عروس الشيخ أحمد الفداوى، وكذلك عن فن التحطيب وأشعر لاعبي العصا، مشيرا إلى أن اللعبة بدأت في مصر مع بداية رسالة النبي موسى في مصر، حيث نقلها عمالقة قنا وانتشرت بين جميع الطبقات، وكان في بدايتها عنيفة وتؤدى إلى إصابات بالغة، قبل أن يتم وضع عرف بالاكتفاء باللمس فقط وليس الضرب.