فؤاد حداد.. "والد الشعراء" زرائد من رواد العامية، ورغم رحيله منذ سنوات طويله لكنه لا يزال الشاعر الأكثر شهرة بين أجيال شعرية شبابية لم تعاصره، بل إن أغلبهم ممن ولدوا بعد رحيله عام 1985 تربوا على أشعاره، فحافظوا على اسمه كميراث معنوى لا يمحى بمرور الزمن، فلم يعد واحدا من الشعراء الذين يتذكرهم جمهور الشعر أو الشعراء فى ذكرى ميلادهم ورحيلهم، بل ظل خالدا وحاضرا دائما فى زمن السوشيال ميديا.
فؤاد حداد الذى نحتفى بذكرى ميلاده اليوم، 30 أكتوبر 1928، لا يزال حتى يومنا هذا بمثابة المثل الأعلى للشعراء الشباب.. فلماذا؟، وما هى سر خلطته الشعرية التى جعلته خالدا حتى يومنا هذا؟
الشاعر سيد محمود، أشار خلال حديثه مع "انفراد" إلى أن أحد هذه الأسباب، هو أن فؤاد حداد، وصف نفسه فى إحدى قصائده بأنه "والد الشعراء"، بالإضافة إلى ذلك، فهو شاعر غزيز الإنتاج، وهذه الغزارة الشعرية هى نتاج لما مر به من ظروف عديدة، فحينما رحل عن عالمنا، اكتشف أن أعماله غير المنشورة أكثر بكثير من تلك المنشورة فى حياته.
وأوضح سيد محمود أن فؤاد حداد جرب أشكالا شعرية كثيرة، وهو أمر مغري للشعراء الشباب، ناهيك عن الإيقاع الذى أبدع فيه "حداد"، والأهم من ذلك، هو إبداعه أيضا فى الصور الشعرية الملهمة جدا.
كما أوضح سيد محمود أنه إذا ما نظرنا إلى 150 عاما فى تاريخ شعر العامية المصرية، سنجد أن عبد الله النديم كان يكتب الشعر الثورى، أما بيرم التونسى فحاول إضافة لمساته الخاصة، وأما فؤاد حداد فكان مخلصا للبناء التقليدي للشعر العربي القديم، فهو ينظر إلى وحدة القصيدة، ويخلص لها جدا، وفقد كان متمسكا بتراث الشعر التقليدي الكلاسيكي، وهذا لم يكن موجودا قبل فؤاد حداد، فقبله كانوا يكتبون الزجل الشعبي مثلا، بالإضافة إلى أنه كان لديه ثقافة فرنسية كبيرة جدا، وكان لديه اطلاع كبير على منجز الحداثة الفرنسية، وهو ما أثر عليه فى تكوين الصورة، ولهذا سنجد أن لديه العديد من القصائد التى لا يمكن أن ينساها القارئ، ودائما ما نقول بأن فؤاد حداد دائما ما يحتاج إلى إعادة القراءة كثيرا، ففى كل مرة تقرأ له، تشعر وكأنك لم تقرأ له من قبل.
الشاعر حسن عامر، قال لـ"انفراد" إن فؤاد حداد شاعر ذو قيمة شعرية كبيرة جدا، لا يمكن أن تمر على منجز شعر العامية، بدون المرور على منجزه، وتراثه الشعرى، فهو من الشواهد فى شعر العامية المصرية، فهو شاعر معجون بالروح المصرية، فهو شاعر مصرى باقتدار، تجربته خارجة من عمق الحارة المصرية، لديه فلسفة معجونة بالحالة البسيطة، فجملته تكاد تكون بسيطة جدا، ولكن واسعة الدلالة، ولهذا نراه على منصات السوشيال ميديا، فهو شاعر الاقتباسات، يمكنك أن تقتبس من القصيدة الوحيدة العديد من الاقتباسات.
أظن أن فؤاد حداد استطاع ببساطته أن يبقى حتى وقتنا الحالى حاضرا، مثله مثل المتنبى الذى لا يزال حاضرا حتى يومنا هذا، ولهذا أرى أن فؤاد حداد بنفس هذه القيمة الأدبية، فهناك شعراء لا يمكن للزمن أن يقبض عليهم أو يضعهم فى فترة زمنية محددة، شعراء أراهم خارج الزمن، وهو ما قاله فؤاد حداد من قبل: "ألفين سنة ويفضل كلامى جميل".
الشاعر أحمد عايد، قال لـ"انفراد" إن فؤاد حداد ليس وحده من استطاع أن يفلت اسمه الموت، ليبقى إرثه الشعرى خالدا حتى يومنا هذا، وهو فى حقيقة الأمر اختبار قاس لجميع الشعراء، فالشهرة وأنت حى ليست معيارا جودة ما تكتبه، وحتى وإن كان ما تكتبته جيدا، سيأتى "غربال الزمن" ويعيد تقيم إبداعك.
ورأى أحمد عايد، أنه هناك أسبابا كثيرا تساعد الشاعر وشعره على الصمود أمام الزمن، فالشاعر الذى يجاري الأحداث لا يستمر مع الزمن، وهذا ما نجده لدي الشاعر فؤاد حداد، فهو شاعر فيلسوف، ويتميز بأن لديه لغة طازجة، كلما قرأتها شعرت وكأنه طازجة كتبت الآن، وأيضا لديه لغة ثالثة، وهى اللغة التى يجمع فيها بين الفصحى والعامية.
وأوضح أحمد عايد، أن من أهم ما يميز أشعار فؤاد حداد، هو أن كتابته ليست نخبوية، ولا هى مبتذلة، فهو يعرف كيف يصل إلى الشخص المثقف، والعادى، ويتناول تجارب إنسانية مررنا بها جميعا، وأظن أن أكثر ما يجعلنا نحب الشعر مهما مر عليه الزمن، هو الصدق، وفى واقع الأمر، أننى لم أقرأ قصيدة لفؤاد حداد إلا وشعرت بالصدق وبحبه.