تعمد الصحافة، منذ بدايتها، على تقدم الطريف من الأخبار والقصص، وذلك لجذب جمهور القراء، ومن ذلك ما فعلته مجلة "الدنيا المصورة" فى عددها الصادر فى 18 ديسمبر من سنة 1929 عندما قدمت قصة "الشيخة زبيدة" وجعلتها موضوع الغلاف.
قالت المجلة "طولها شبران وعمرها 45 سنة.. الشيخة زبيدة العربية عجيبة المخلوقات حفلت حياتها بالنوادر الطريفة والقصص المستحيلة، يعتقد فيها العوام بـ "الولاية" ويغدقون عليها النعم والهدايا وهى لا تزيد فى طولها عن شبرين، لذلك توضع أثناء السفر داخل شنطة صغيرة لكى تعفى من تذكرة السكة الحديدية".
وتابعت المجلة فى تقريرها
هى فى مختتم العقد الخامس من حياتها، تنظر إلى الدنيا نظرة فرحة ممراحة، أحب ساعة إلى نفسها تلك الساعة التى تجلس فيها أمام المرآة - ولا نقول تقف – تصفف شعرها وتزجج حواجبها وتنسق هندامها، وهى على الرغم من أن طولها لا يزيد عن الشبرين تأكل أكلة الإنسان الكامل وتشرب كوبة الماء فلا تدع فيها فضلة، وإذا سألتها عن أمر من الأمور أجابت يصوت يشبه صوت الطفل الصغير، ويتعذر عليها النطق ببعض الأحرف صحيحا، فنجد فى مخاطبتها مشقة وعناء حتى تتبين ما تريد.
أين ولدت الشيخة زبيدة؟
منذ خمسة وأربعين عاما حمل الوجود ظل هذه المخلوقة الغريبة فى قرية "شابور" من أعمال مركز كوم حمادة، ولدت لأبوين فقيرين فى هذه القرية، وهرع الناس من القرى المجاورة يشهدون خلقتها العجيبة، ولم يكن أحد يصدق أن هذه الطفلة تعيش أكثر من أيام معدودة لنقص تكوينها وفرط ضآلتها، لكنها عاشت، وعاشت حتى بلغت الخامسة والأربعين ولا تزال تتروح نسيم الحياة الباسمة وتستقبل العام تلو العام.
من أين ترتزق؟
ظلت فى كنف أبويها الفقيرين أعواما قصارا، ثم فجعها الموت فيهما وهى لا تزال طفلة لا تتجاوز السادسة من عمرها، فكفلها بعض ذوى البر من أقاربها مع أخوتها الصغار.
وأراد الله بعد ذلك أن تشهد هذه الطفلة دنيا حافلة صاخبة غير دنياها الضيقة المحدودة الأقطار، فيسر لها من راح يطوف بها الموالد والمدن ليعرضها أمام الناس نظير ما يجمع منهم من قروش وملاليم.
تبدلت الوجوه أمام ناظرى الطفلة وتغايرت الأشكال التى كانت تراها والأوضاع التى ألفتها فأصبحت ترى كل يوم مئات من الناس يتجمعون حولها فى أزياء مختلفة وسمات متباينة فاستقبلت بذلك وجها جديدا من وجوه الحية المتعددة الألوان.
الشيخة زبيدة فيها البركة
كانت الطفلة قد بدأت تحسن النطق ببعض الكلمات وتفهم ما يلقى إليها من الكلام، وشاءت الأقدار أن تجرى على ألسنة العامة أن الشيخة زبيدة فيها البركة، فساقت لها مرأة حاملا فسألتها:
يا شيخة زبيدة حجيب بنت ولا ولد.
فأجابتها
هتجيبى ولد
ومن ذلك الحين أصبحت الشيخة زبيدة فى نظر العامة "ولية" يتبرك الناس بدعواتها ويؤمنون بصدق نبوءاتها، وحج أهل القرى إليها يسألونها عن غيابهم متى يعودون ومسروقاتهم أين توجد ومرضاهم متى يشفون، وهى على هذه الأسئلة تجيب، فمرة تصيب وأخرى تخيب، وهم بولاياتها وبركاتها مؤمنون، لذلك أغدقوا عليها النعم والهدايا وتلمسوا دعواتها الصالحات فعاشت فى رخاء من العيش وكفلت أخوتها الصغار والتف حولها الأهل والأقارب يحافظون على حياتها الغالية ويستقبلون زوارها العديدين.
فى السيرك
فى سنة 1923 ذهب إبراهيم محفوظ إلى قريتها، وعرض عليها أن تنضم إلى لاعبى السيرك وهو سيرك بلدى متنقل يجوب المدن الكبيرة ليعرض ألعابه البهلوانية فى الأحياء الوطنية لكنها ماذا تفعل بين هؤلاء اللاعبين، لا شىء سوى أن تعرض للجمهور بين الفصول للتفرج على تكوينها العجيب، ولمن شاء بعد ذلك أن يترك بها أو يستنبئها طوالع الغيب فله أن يقابلها بعد انتهاء العمل فى السيرك، وجعل لها نظير ذلك مرتبا شهريا يتراوح ما بين الخمسة عشر جنيها والعشرين، حسب ما تكون عليه حالة السرك من الإقبال أو الكساد، وقبلت الشيخة زبيدة هذا لاتفاق وانضمت إلى سيرك إبراهيم محفوظ وجابت معه أنحاء القطر متنقلة من مدينة إلى مدينة وذاع صيتها بين أرجاء البلاد وزادت أرباح السيرك لكثرة المتزاحمين على رؤيتها والتأمل فى خلقها.