أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء الثانى من "مذكرات مصطفى النحاس.. ربع قرن من السياسة فى مصر 1927: 1952" دراسة وتحقيق أحمد عز الدين.
تمتد رحلة سفينة الوطن في هذا الجزء الثاني من مذكرات الزعيم مصطفى النحاس من المياه العميقة على مشارف الحرب العالمية الثانية، بأمواجها المضطربة، وعواصفها الهوجاء، حتى شواطئ الانفجار الكبير في 23 يوليو 1952، بعد أن وصلت حالة الغليان الشعبي إلى درجة الاشتعال.
وعبر التضاريس الوعرة لهذه المرحلة، تتبدى الحقائق واضحة، كأنها قدت من صخور الصلابة التي أبداها الشعب المصري، دفاعا عن الحرية والعدل واستقلال الإدارة، لقد مضى الزاد السياسي والاجتماعي والفكري الجديد في مصر، في تعريف نفسه بالقوة الجبرية، ومضت الهياكل السياسية والاجتماعية بدورها، في الاهتزاز والتداعي، غير قادرة على احتواء حجم الضغوط الهائلة التي ولدتها الطاقة الشعبية المتفجرة.
لقد امتلأت هاتان الحقبتان بظواهر تبدو كأنها ضرب من المعجزات، كانت الحقائق الجديدة تبزغ في أجواء الدنيا كأنها شلالات ضوء تخطف الأبصار، وبينما كان العالم يكتشف أن مصر تمثل الحل الاستراتيجي؛ كانت مصر بدورها تكتشف أنها عنقاء جديدة، تحترق لتولد من رمادها.
وجاء في تمهيد الكتاب: "تلك سنوات العاصفة في التاريخ السياسي المصري والتاريخ الاجتماعي على السواء، فإذا كانت هذه الحقية من الزمان المصري الهادر، تشكل درج سعود المد الشعبي إلى شرفة الانفجار، فإنها - أيضا - تشكل درج هبوط النظام السياسي المصري إلى الهاوية ذاتها، ذلك النظام الذي وصفه السفير البريطاني في مصر ذات يوم، بأنه يشبه مقصدا ذا أرجل ثلاثة، هي الملك، وأحزاب المعارضة، والوجود البريطاني، ولم يكن تشبيه (كيلرن) دقيقا، ولكنه كان موحياء، فقد كان يعكس تقديرا بأن هذا المقعد لا يستطيع الاستغناء عن واحدة من أرجله لكي يظل قادرا على الوقوف.. في أحد أعوام هذه الحقية، كتب تشرشل رئيس وزراء بريطانيا إلى سفيره في القاهرة، بأن يبلغ النحاس عن لسانه "بأن يصلح من شأنه مع القصر". ولكن كبلرن رد عليه قائلا: "إن إصلاح العلاقة بينهما كمن يحاول خلط الزيت بالخل".