هل فكرت من قبل ما الذى يمكن أن يفعله الهوس الديني، وكيف يتأذى الجميع منه؟ وللعلم فإن هذا الهوس موجود عند أشخاص كثيرين ينتمون إلى أديان وطوائف وجماعات مختلفة، وسنتوقف اليوم عند قصة أحدهم، هو "جهمان العتيبى" الذى اقتحم المسجد الحرام فى 20 نوفمبر 1979، الموافق الأول من شهر محرم 1400.
اسمه جهيمان بن محمد بن سيف العتيبى، كان قائدا للمجموعة التى اقتحمت الحرم، وهو دارس للفلسفة الدينية فى جامعة مكة المكرمة والجامعة الإسلامية فى المدينة المنورة، وهناك التقى محمد بن عبد الله القحطانى الذى تزوج أخته بعد ذلك.
وفى أواخر عام 1399هـ أخبر القحطانى صهره جهيمان بأنه رأى فى منامه أنه المهدى المنتظر، وأنه سوف يحرر الجزيرة العربية والعالم كله، وقام جهيمان وجماعته قبل انطلاق أذان فجر القرن الهجرى الـ 15 ومن المكان المخصص لدخول الشاحنات، تمكن بعض رجال جهيمان من إدخال شاحنتين محملتين بالتمر والماء والذخيرة إلى الحرم المكى، كما تمكن قرابة 200 شخص من الدخول إلى الحرم الشريف، حاملين عددًا من النعوش الممتلئة بالأسلحة.
وبعد صلاة الصبح تحدث أحد رجال الجماعة ويدعى خالد اليامى ساردًا بعض الأحاديث التى تصف المهدى وتتحدث عن علامات ظهوره، قبل أن يصل فى خطبته إلى مراده قائلا: فاعلموا أيها المسلمون، أنه انطبقت هذه الصفات كلها على هذا المهدى الذى سوف تبايعون بعد لحظات بين الركن والمقام، معلنًا أن المهدى موجود الآن داخل صحن الحرم لتلقى البيعة.
وفور انتهاء الخطبة بدأ جهيمان وأتباعه فى إجبار المصلين على التقدم نحو الكعبة بين الركن والمقام، ومبايعة زوج أخته محمد بن عبد الله القحطانى بصفته المهدى المنتظر.
وبعد أن علمت السلطات السعودية ذلك بدأت محاصرة المسجد، وحاول محمد بن عبد الله القحطانى إقناع رجاله بأنه مخلد ولن تتمكن القوات من قتله، فكان يعيد إلقاء القنابل التى تسقط عليهم باتجاه القوات وهو ينادى أنا المهدى يا أعداء الله، وفى إحدى المرات انفجرت قنبلة بين يديه، ولم يتمكن الرجال من إنقاذه، لتسحب القوات جثمان القحطانى خارج الحرم، دون أن تدرى أنه المهدى المزعوم.
واستمر احتلال المسجد أربعة عشر يومًا حتى تمكنت القوات من تحريره وتمت محاكمة جهيمان ومن تبقى من رجاله، ونفذ فى الكثيرين منهم حكم الإعدام.
من المهم التعريف أفكار جهيمان العتيبى ومن أين استقاها، لقد كات تابعا جمعة تسمى تنفسها "الجماعة السلفية المحتسبة":
ويقول كتاب "حتى لا يعود جهيمان"، لـ توماس هيجهامر، وستيفان لاكروا، حسبما نقل عنه الكاتب سامح فايز، تشكّلت المجموعة، التى سميت "جسم"، فى المدينة المنورة فى أواسط الستينيات، شكّلتها مجموعة صغيرة من طلبة الدين، كانوا يعملون، لبعض الوقت، فى مجال الدعوة فى الأحياء الفقيرة، ونظراً إلى أنهم تأثروا بالألبانى، أصبح لديهم إيمان راسخ بأنّ المذاهب الفقهية، والتيارات الإسلامية فى ذلك الوقت، بما فى ذلك التيار الرسمى السعودى، أى الوهابية، تحتاج إلى التنقية من البدع والأفكار الخاطئة، كما عملوا على مواجهة التأثير المتزايد لجماعات أخرى موجودة على الساحة فى المدينة خلال السبعينيات، وخاصة جماعة التبليغ والدعوة وجماعة الإخوان المسلمين.
بينما يرى كتاب "أيام مع جهيمان" لـ ناصر الحزيمى جوانب مهمة لهذه الحركة، حيث يرجع الكاتب بالزمن إلى سنة 1974م عند بداية تعرفه على الجماعات الإسلامية كمُتديّن وليس كمُنتمٍ إلى إحداها، ويصف هذه الفترة بأنها البداية الحقيقية لظهور الصحوة الإسلامية، وانحسار قوى اليسار، وبعد مرور عامين حدث اللقاء الأول بينه وبين قيادات الجماعة السلفية فى الكويت، فانتظم فى حضور ديوانياتهم، التى فهم منها منهجهم العقائدي، وتبنّى نفس موقفهم من الجماعات الأخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين، والتبليغ.
وقد عرف عن "جهيمان العتيبى" إصداره ما يسمى بـ "الرسائل السبع" تتعلق بموضوعات منها "رفض الحداثة، والمطالبة بالملك الجبرى، وعدم التخلى عن الخلافة الإسلاميَّة، والبيعة"
ويرى البعض ومنهم "محمد الدابولى" فى مقالة بعنوان السلفية المحتسبة .. الردة على مسيرة التنوير" أن جهيمان العتيبى قد تأثر بالحركة الراديكالية الإسلامية فى مصر ومفكريها، فالكثير من الكتابات تُشير بوضوح إلى تأثره بكتابات "سيد قطب" وأفكار "شكرى مصطفى" مؤسس "جماعة المسلمين"، لذا يمكن القول إن "جهيمان" عمل على نقل التجربة المصرية فى الجماعات الإرهابية، خاصة جماعة المسلمين أو ما يُسمى إعلاميًّا "التكفير والهجرة" إلى داخل السعودية.