كتب الكاتب والناقد أحمد سراج، شهادة عن الشاعر الراحل رفعت سلام، قال فيها: "لي أن أخترع التاريخ، وله أن يذعن لي" ترتحل البشرية في الزمان كما يرتحل البشري في المكان، منا من يحمل شعلة العلم، ومنا من يحمل شعلة الحرب، ومنا من يحمل شعلة الشعر، فمنهم من يسقط دون أن يراه أحد، ومنهم من لا يخفى على أحد.
وأضاف "سراج" في شهادته التي كتبها ضمن تحقيق يجريه "انفراد" تحت عنوان "ماذا تبقى من رفعت سلام" من هنا فالنظر إلى امرئ القيس وهوميروس والمتنبي وأوفيد وشوقي وشكسبير و وعبد الصبور وإلبوت ورفعت سلام وريتسوس لا يكون إلا على أنهم شعراء غيروا المستقبل بما يحملون من نار مقدسة. كأن منجز رفعت سلام زهرة لوتس قلبها الشعر، تحوطها ورقات أربع؛ الترجمة والنقد والصحافة والحياة الشخصية.
في الترجمة ستبقى أعماله كلها فمن يستطيع ترك ترجمات كاملة بمقدمات لولا اننا قرأناها لاعتبرناها حديث خرافة، وأظن أنه لو قام كاتب بجمع هذه المقدمات في كتاب لوجد القارئ سيرة الحداثة الشعرية العالمية مكتملة، أما طريقته في الترجمة وهي طريقة موضوعية شعرية فهي تجعلك مع النص الاساسي مزيلة عجمة اللغة وغربة القارئ، فكأنك تنصت إلى بودلير أو رامبو دون ان تفلت منك شاردة.
في الصحافة يترك سلام أثره بتأسيس القسم الثقافي في وكالة أنباء الشرق الأوسط، ويترك لرفاق المهنة درسه الأبلغ: نحن الجواري المنشآت، لا الخبر. فهو لم يسع ذات يوم لاستثمار منصبه في كبرى وكالات الأنباء، بل كان حريصًا على أداء مهمته الصحفية كما يقول كتابها (بكسر الكاف) لذلك فأبناء المهنة المخلصون يتبعون خطاه.
في النقد سيبقة كتاباه "بحثًا عن الشعر" و"بحثًا عن التراث" نموذجين دالين أحدهما على استيعاب الشاعر لما حوله من نصوص وشعراء وثانيهما على استيعابه لتراثه وفهمه لدور هذا التراث، وموقفه هو منه، وكلاهما يدل على وعي الشاعر ورغبته في تغيير العالم أو المشاركة في ذلك، أو على الأقل ترك علامة كي لا يتوه القادمون من خلف.
حياة رفعت الشخصية أو الإنسانية ستبقى كحكايات الفقراء عن اولئك الرجال الذين كانوا هنا فلم ينحنوا ولم يتذللوا، ظلوا يرفعون رؤوسهم نحو الضوء حتى اتحدوا به؛ فصاروا شموسًا.
الأثر الشعري لرفعت يظهر للقارئ وللناقد وللشاعر، فلا يمكن لقارئ أن يدعي قراءته للشعر العربي في النصف قرن دون أن يقرأ سلام، وللناقد فما قدمه سلام ورفاقه من تطوير (ضروري، هو ما نقل الشعر وجعله يستمر بزهوه) ينبغي على اي ناقد أن ينظر إليه بتأن ووعي، أما الشاعر فمدينة سلام الشعرية الباذخة ستترك فيه زادًا سيعينه. بكلمة: "كي يبقى الشعر سيدًا كان رفعت سلام، وسيبقى سلام ما بقي الشعر".