تمر اليوم الذكرى الـ 502 على قيام مارتن لوثر يقوم بإحراق مرسوم كنسي بطرده من الرحمة عقابًا له على معارضته لسلطة الكنيسة، واعتبرت هذه الخطوة خطيرة ساهمت بابتعاده عن الكنيسة الكاثوليكية.
ومارتن لوثر راهب ألماني وقسيس وأستاذ للاهوت ومُطلق عصر الإصلاح في أوروبا، بعد اعتراضه على صكوك الغفران. نشر في عام 1517 رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بلاهوت التحرير وسلطة البابا في الحل من «العقاب الزمني للخطيئة»؛ أدى به رفضه التراجع عن نقاطه الخمس والتسعين بناءً على طلب البابا ليون العاشر عام 1520 وطلب الإمبراطورية الرومانية المقدسة ممثلة بالإمبراطور شارل الخامس للنفي والحرم الكنسي وإدانته مع كتاباته بوصفها مهرطقة كنسيًا وخارجة عن القوانين المرعيّة في الإمبراطوريّة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان مارتن لوثر يخطط لكل الذي حدث بعد قيامه بحرق المرسوم الكنسي، وهل ثورته الإصلاحية مبيتة، وهى ما أدت إلى تلك الصراعات التي حدثت في كنيسة روما؟
بحسب كتاب "مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف سكوت إتش هندريكس، لم يؤسِّسْ مارتن لوثر تراثًا غربيًّا للحرية الدينية، أو يَسْعَ لتحدي بابا الكنيسة الرومانية والإمبراطور للدفاع عن المفاهيم الحديثة للديمقراطية. ومن الواضح أن لوثر لم يكن يقصد نشر أفكاره إلى هذا المدى، وما كان في وسعه ذلك، مع أن نضاله من أجل الحرية المسيحية على حدِّ وصفه لها في عام 1520 مهَّد بالفعل لصراعات تالية من أجل الحرية الدينية. كما أنه لم يحطِّم القيود عمدًا، بل أكد على أن «حركة الإصلاح الديني» لم تكن حملة مبيتة، لكن جاءت كرَدِّ فعلٍ لكتاباته. فما إن شكَّك لوثر علنًا في العقائد التي تعلَّمها والمعتقدات الدينية التي كانت سائدة تلك الأيام، شعرَت السلطات الدينية — التي كانت مستفيدة من ممارسات كصكوك الغفران — بالخطر.
وفي روما، فتح مستشارو البابا تحقيقًا أدى إلى عزل مارتن لوثر من الكنيسة، بعدما لم يجد دليلًا تاريخيًّا أو إنجيليًّا مقنِعًا يؤيِّد ادعاءاتهم بالسلطة المطلَقة للبابا. قال لوثر إنه لا يوجد دليل على أن الحواريَّ بطرس، الذي زعم البابوات أنهم خلفاؤه، قد وطئت أقدامه روما، وكلمات المسيح عن بناء كنيسته على صخرة تحمل اسم بطرس لا علاقة لها بالبابوات أو بسلطتهم، لكن اقتراحات مارتن لوثر بتغيير ممارسات المسيحية لتتفق على نحوٍ أوثق مع الكِتَاب المقدَّس أكسبته تأييدَ المثقفين والعامة على حد سواء. وبحلول الوقت الذي وصل فيه لوثر إلى مدينة فورمس عام 1521، كان في طريقه إلى أن يصبح أشهر كتَّاب ألمانيا والقائدَ الناجح، بعكس أسلافه، لحركة إصلاحٍ دينيٍّ انتشرت على مستوى العالم، وظلت باقية حتى القرن الحادي والعشرين.