تُعد فترة الغزو المغولى للعالم الإسلامى من أحلك الفترات التى مرت على المسلمين، فمن المعروف عن المغول الوحشية والعنف والتفنن فى أساليب العذاب سواء فى الحروب أو فى معاملة الأسرى، والقضاء على العديد من الدول التى بالفعل نجحوا فى محوها وسقوطها بشكل نهائي.
فهل دامت هذه الأعمال إلى نهاية إمبراطوريتهم؟ أم تحولت وتغيرت مع تعاقب الحُكام؟ وما الأساليب التى كان ينهجها أشهر حُكامها فى التاريخ من أمثال "هولاكو بن جنكيز خان" الطاغية، وهل استطاع الإسلام تغيير نظرتهم وتعاملاتهم؟ فحديثى اليوم عن ذلك وتسليط الضوء على بعض النقاط المغمورة عن تأثير الإسلام فى أكبر طغاة المغول.
هولاكو خان هو ابن الإمبراطور تولوى بن جنكيز خان وأمه سرغاغتانى بكى، وشقيق كل من الإمبراطور منكو خان والإمبراطور قوبلاى خان والإمبراطور إريك بوك، هولاكو حفيد جنكيز خان وحاكم مغولى هاجم البلاد الإسلامية وخوارزم-أوزبكستان وكازاخستان وطاجكستان حاليًا-.
وهو مؤسس الدولة الإيلخانية فدولة بنى هولاكو حينها كانت تشمل بلاد العراق وفارس وخراسان وما وراء النهر، كان هولاكو شديد الولع بالحضارة الفارسية وثقافتها، فما إن أصبح خانًا لبلاد الفرس ومؤسس لعهد الخانات فيها حتى اجتمع إليه فى ديوانه العديد من الفلاسفة والعلماء والحكماء من بلاد فارس التى كانت مسلمة وتتبع الدين الإسلامى، وجعل اللغة الفارسية هى السائدة بدلاً من العربية فى ذلك الوقت.
قضى على بغداد والخلافة العباسية 656هـ/ 1258م، وبسقوط بغداد فى قبضة المغول شَكَّلَ تهديدًا كبيرًا حتى ظُنَّ أنها نهاية العالم من هول هذا السقوط الكارثى الذى لا يوصف، فقد تم هدم البنايات والمستشفيات والمكتبات، وإلقاء الكتب فى النهر حتى ذُكِرَ أن أصبح لونه أسود أو داكن من كثرة الحبر.
فبالرغمِ مما تعرض له العالم الإسلامى من هجمات المغول وما قاموا به من تدميرٍ للمدن والمساجد وتمزيق المصاحف إلا أنهم لم يسيروا على نفس النهج، بل أن الإسلام أثرَ فى نفوس أولئك الغزاة وتعاليمه السمحة حملتهم على اعتناقه، ويرجع الفضل فى ذلك إلى نشاط الدعاة المسلمين وإخلاصهم فى نشر الدعوة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل ساعد أحدهم فى نشر الإسلام فى روسيا وقبيلته وهو "بركة خان" أول مَنْ أسلم من أمراء المغول، وكان رئيسًا للقبيلة الذهبية فى روسيا بين سنتى 654: 665ه/ 1256: 1267م، وكان يحارب "هولاكو" شخصيًا، ومن شدة حرصه على نشر الإسلام أرسل رُسله إلى مصر سنة 661هـ/ 1236م ومعهم كتاب منه جاء فيه "فليعلم السلطان يقصد هنا الظاهر بيبرس أننى حاربتُ هولاكو الذى من لحمى ودمى لإعلاء كلمة الله العليا تعصبًا لدين الإسلام لأنه باغى والباغى كافر بالله ورسوله".
أما عن الدولة الإيلخانية التى أسسها هولاكو، فقد سعى إلى كسب رضاء المسلمين بعد استقراره فى حكم الدولة الإيلخانية، فأمر بإعادة الوظائف الدينية إلى سابق عهدها كالقضاء والأئمة والخطباء فى المساجد، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى المعاملات كما كان متبعًا فى عهد الخلافة، واستمرَ ابنه وخليفته أبغاآباقا خان 663- 681هـ/ 1265- 1282م على سياسة المهادنة والاعتدال التى اتبعها والده فى سنواته الأخيرة، والاهتمام بتقوية الإسلام وتأمين طريق الحجاج والإنفاق على العلماء، ويروى المؤرخ "أبو شامة" أنه عندما عَلِمَ "هولاكو" بحرق الأرمن لجامع حلب حتى قتل كثيرًا منهم جراء ما اقترفت أيديهم، بالرغم مِن أنه حينها كان بوذيًا؛ وذلك لكسب المسلمين وإظهار حُسن معاملته وتعصبه لما فعله الأرمن.
ولم يكتفِ بذلك لإظهار احترامه للدين الإسلامى والمسلمين بل قام "هولاكو" بتعيين شخصيات إسلامية من أمثال: "مؤيد الدين بن العَلْقمي" المتوفى 656هـ/ 1258م الذى كان وزيرًا للخليفة العباسى المستعصم ويُرْوَى إنه رتبَ وساعدَ "هولاكو" فى احتلال بغداد، وتم وصفه بصاحب الجريمة النكراء فى رواية أكثر المؤرخين، بالرغم من أنه كان حازمًا خبيرًا بسياسة المُلك، ولكن اتفق أكثر المؤرخين على خيانته ومسايرته لهولاكو وأنه تولى الوزارة مدة قصيرة ومات ودُفِنَ فى بغداد، وفى رواية أخرى إنه أُهينَ على أيدى المغول ومات غمًا وذلة.
وكذلك عين هولاكو "فخر الدين الدامغاني"، و"علاء الدين عطا ملك الجويني" مؤرخ وشاعر فارسى، الذى جعله وزيرًا له، و"نصير الدين الطوسي" الذى اعتبره ابن خلدون من أعظم علماء الفرس، كان عَالِمًا فلكيًا وفيلسوفًا وطبيبًا وفيزيائيًا وكيميائيًا ورياضياتى ومتكلّم ومرجع شيعى فارسى، فقد ولاه هولاكو شئون الأوقاف للعمل على تأكيد شريعة الحكم المغولى فى نظر الرعية، وغيرهم فى المناصب الرئيسة فى الديوان والوزارة والخراج والأوقاف، وأبقى الشهادتين على أحد وجهى العملة، ووضع اسم الإيلخان والخاقان على الوجه الآخر.
فقد بدأ "هولاكو" حياته بقمة القسوة والعنف والقتل وترويع مواطنى البلاد التى احتلها، وبعد تثبيت حُكمه بدأ يتبع سياسة المهادنة والاعتدال واحترام الديانات والمعتقدات المختلفة وخاصة الدين الإسلامى وحرصه على تواجد العلماء المسلمين فى بلاطه وحكومته.