اللغة العربية هي جزءًا مهمًا من الهوية، فهى لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة ولغة التراث، فهناك 450 مليون نسمة من سكان العالم، يتحدثون بها، وهم يحافظو على تراث لغوي وثقافي فريد ورمز للتنوع والإلهام الثقافي من خلال المحافظة على اللغة العربية، وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمى للغة العربية يوم 18 ديسمبر من كل عام، نسلط الضوء على المعجم التاريخى الذى اطلقه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة.
والمعجم التاريخي للغة العربية ديوان يضم جميع ألفاظ اللغة العربية، ويبين أساليبها، ويوضح تاريخ استعمالها أو إهمالها، وتطور دلالاتها ومبانيها عبر العصور، ويعنى بذكر الشواهد ومصادرها مع التوثيق العلمي لكل مصدر، فهو معجم لغوى موسع يكشف عن تاريخ اللغة العربية، وعن تاريخ الأمة العربية وحضارتها، يتطلب إنجازه جهودا كبيرة علمية ومادية.
ويشارك فى إنجاز المعجم، الذى يشرف عليه اتحاد المجامع اللغوية والعلمية فى القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية بالشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم فى إنجازه على قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الأربعة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخيّة خاصة باللغة العربية، منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.
ويشكل المعجم، إلى جانب أنه يبحث ويوثّق لمفردات اللغة العربية، مكتبة إلكترونية ضخمة مكوّنة من أمّهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكّن الباحثين والقرّاء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، الوصول إلى آلاف الكتب والمصادر والوثائق يُعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى فى تاريخ المحتوى المعرفى العربي.
ويختص المعجم بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة هى تاريخ الألفاظ العربية؛ حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم بتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها منذ الجاهليّة إلى العصر الحديث مركّزا على الاستعمال الحى للغة، أى أنّه يختلف عن سائر المعاجم السابقة بأنّه يستشهد بالنصوص الحيّة قرآناً وحديثًا وشعرًا وخطبًا ورسائل وغيرها.
ويكشف المعجم تطور المصطلحات عبر العصور، ويرصدُ تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة فى اللغة المستعملة، والكلمات التى اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة فى ذلك.
إلى جانب ذلك يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون؛ إذ يبحث فى علوم اللسان العربى عن جميع العلوم التى نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديمًا وحديثًا من نحوٍ وصرفٍ وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويتوقف عند المصطلحات التى ولدت ونشأت فى رحاب هذه العلوم.
كما يقدّم مقارنات بين الألفاظ فى اللغة العربية وبين ما انحدر منها فى اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها، وفى هذا المجال تمّ تكليف لجنة متخصّصة برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها فى تلك اللغات، وذكر الشواهد الحيّة التى تدلّ على ذلك مع توثيقٍ للمصادر والكتب التى أُخِذت منها.
يشار إلى أنّ المنصة الرقمية التى تمّ إعدادها لإنجاز المعجم تتميّز بسهولة البحث، وسرعة الحصول على المعلومة واسترجاع النصوص وإظهار النتائج فى سياقاتها التاريخية، إضافة إلى أنها تشتمل على قارئ آلى للنصوص المصورة.
وقد أطلق الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فى مقر "مجمع اللغة العربية بالشارقة"، خلال العام الحالي، 19 مجلداً جديداً من "المعجم التاريخى للغة العربية"، وذلك بحضور أعضاء مجلس الأمناء وأعضاء المجمع من رؤساء اتحادات ومجامع 14 مجمعاً لغوياً من 12 دولة.
وتغطى المجلدات الـ 19 الجديدة من المعجم التاريخى للغة العربية أربعة أحرف هى (الحاء والخاء والدال والذال)، ليصبح العدد الكلى للحروف التى تمّ تحريرها إلى حدّ الآن 9 أحرف، من الهمزة إلى الذال، وبذلك ارتفع عدد المجلدات المنجزة من المشروع إلى 36 مجلداً، تم إصدارهم وتجليدهم وإخراجهم وطباعتهم فى منشورات القاسمى بالشارقة، وذلك فى إنجاز تاريخى غير مسبوقٍ يضاف إلى جهود صاحب السمو حاكم الشارقة فى دعم اللغة العربية.