صدر حديثا العدد الجديد من مجلة National Geographic العربية، لشهر يناير 2023، والذى تركز فيه المجلة على موضوع أساسى وهو قدرة العلم على فك شفرة الحياة المديدة.
وتحت عنوان "عمر أطول وأفضـل" تتحدث المجلة عن تسلح العلماء بأحدث التقنيات للكشف عن تعقيدات شيخوخة الإنسان، سعيـا لابتكـار أدويـة تبطـئ وتيرتهـا أو حـتى تعكـس مسـارهـا.
ويقول فران سميث، فى تقريره إن العلماء بارعون فى جعل الفئران تعيش عمرا أطول، أن عقار "راباميسين"، الذي يوصف على نطاق واسع للحيلولة دون رفض الجسم للعضو المزروع، متوسط أمد حياة الفئران في منتصف العمر بنسبة تبلغ 60 بالمائة.
وتساعد الأدوية المسماة "محللات الشيخوخة" الفئران المسنة على البقاء نشيطة زمنا طويلا بعد نفوق أقرانها. ويحافظ عقارا داء السكري، "ميتفورمين" و"أكاربوز" اللذان يضعان قيودا شديدة على السعرات الحرارية فضلا عن تدخلات علاجية أخرى، على حيوية فئران المختبرات مدة طويلة بعد انتهاء أمدها الافتراضي. أما أحدث مشروع فهو اختراق عملية الشيخوخة نفسها عبر إعادة برمجة الخلايا المسنة إلى وضع أصغر سنا.
وتقول "سينثيا كينيون"، عالمة الأحياء الجزيئية التي حفز عملها الرائد قبل عقود ما بات اليوم هوسا بحثيا: "لو أنك فأر لكنت مخلوقا محظوظا لأن ثمة طرقا كثيرة لإطالة أمد حياتك. والفئران طويلة العمر تبدو سعيدة للغاية". وماذا عنا؟ إلى أي مدى يمكن للعلماء إطالة أعمارنا؟ وإلى أي مدى ينبغي أن يذهبوا؟ بين عامي 1900 و2020، زاد متوسط أمد حياة الإنسان على الضعف، ليصل إلى 73.4 سنة.
وتضيف سينثيا كينيون إلا أن هذا المكسب الكبير كان له ثمن: ارتفاع مذهل في نسبة الأمراض المزمنة والتنكسية. ويظل التقدم في السن أكبر عامل خطر للإصابة بالسرطان وأمراض القلب وألزهايمر والسكري من النوع 2 والتهاب المفاصل وأمراض الرئة وكل الأمراض الرئيسة الأخرى تقريبا. ومن الصعب تخيل أي شخص يريد العيش عمرا أطول إذا كان ذلك يعني أعواما إضافية من الوهن والاعتماد على الغير.
وتوضح عالمة الأحياء أنه إذا أدت تجارب الفئران تلك إلى صنع عقاقير تصلح الاضمحلال الجزيئي والكيميائي الحيوي الذي يشكل أساس كثير من المشكلات الصحية عند تقدم السن، أو إلى علاجات تبطئ -أو تمنع، في أفضل الأحوال- ذلك الخراب الخلوي وتبعاته، فحينئذ سيبلغ عمر العديد منا منتصف الثمانينات أو التسعينات من دون الأوجاع والأمراض التي تجعل من تلك الأعوام الإضافية نعمة غير مكتملة.
وقد يبلغ المزيد منا ما يعتقد أنه الحد الأقصى الطبيعي لعمر الإنسان، وهو من 120 إلى 125 سنة؛ والحال أن قلة من الناس فقط تقترب من المئة، فما بالك بما بعدها. في الأمم الصناعية، يصل واحد من كل 6000 شخص إلى سن المئة عام، وواحد من خمسة ملايين شخص يتجاوز 110 أعوام. وحاملة الرقم القياسي لهذا الأمد، "جين كالمان" من فرنسا، توفيت عام 1997 عن عمر بلغ 122 عاما و164 يوما.
يبدو أن البيولوجيا البشرية قابلة للتحسين من أجل إطالة العمر. وثمة ثروات خيالية تنتظر من يفك هذه الشفرة. ولا غرو أن المستثمرين يضخون المليارات محاولين تحقيق ذلك. وقادت شركة "غوغل" موجة الإنفاق هذه بإطلاقها في عام 2013 مشروع (Calico Life Sciences)، حيث تشغل كينيون منصب نائبة الرئيس لأبحاث الشيخوخة. وعلى مر الأعوام القليلة الماضية، جاء الاستثمار في هذا القطاع من أباطرة التقنية، ومليونيرات مجال العملات المشفرة.. وغيرهم.