صدر مؤخرًا كتاب "رسائل من صعيد مصر في العصر الرومانى"، للكاتب الدكتور محمد رمضان العرجة، عن دار عابدة للنشر.
يتناول هذا الكتاب دفتر أحوال عائلة يونانية من الطبقات العليا التي عاشت في صعيد مصر نهاية عصر الإمبراطور تراجان وبداية عصر الإمبراطور هادريان، عرفت تلك العائلة بعائلة أبوللونيوس الشخصية الرئيسة في هذا الكتاب.
شغل أبوللونيوس منصب إستراتيجوس أي رئيس الإدارة المدنية بمقاطعة أبولونوبوليس هبتاكوميا وهى حاليا قرية كوم اسفحت مركز صدفا محافظة أسيوط في صعيد مصر.
عندما ترك أبولونيوس منصبه عام 120م وعاد إلى مسقط رأسه في مقاطعة هيرموبوليس ماجنا وهى حاليا قرية الأشمونين مركز ملوى محافظة المنيا أخذ معه جميع أوراقه الخاصة والرسمية التي تراكمت خلال الأعوام من 113 إلى 120 جريًا على عادة المسؤولين الآخرين.
وقد عُثر على جميع وثائق هذا الأرشيف في بداية القرن العشرين حول مدينة هيرموبوليس ماجنا.
كانت عائلة أبوللونيوس تنتمي إلى الطبقة العليا من السكان الإغريق الذين عاشوا في الأشمونين خلال العصر الروماني، وعلى الرغم من أن أسماء بعض أفراد العائلة تعكس تأثرًا بالثقافة المصرية، إلا أن ثقافة العائلة وتعليمها كان إغريقيًا.
تٌظهر رسائل العائلة أن معظم دائرة معارف أبوللونيوس والأشخاص الذين عملوا لديه مباشرة كانوا من الإغريق، كما تُظهر أنه قد حافظ على علاقات ودية مع بعض الرومان ذوي النفوذ رغم ذلك.
كان تعيين أبولونيوس في منصب استراتيجوس في حد ذاته دليلاً على تمتع عائلته بسمعة طيبة.
إضافة إلى ذلك، تُظهر وثائق وأوراق هذه العائلة إمتلاكهم مصنعا للنسيج في هيرموبوليس الأشمونين، والتي من المؤكد أنه عمل به من عشرين إلى خمسين عاملاً، إلى جانب ممتلكاته في هذه المدينة وما حولها وخاصة في مقاطعة ليكوبوليس (أسيوط حاليا) ومقاطعة أرسينوي (الفيوم حاليا).
وتعد هذه الوثائق ذات أهمية كبرى؛ إذ إنَّها تعطينا صورة تكاد تكون مكتملة عن أحوال أسرة يونانية من (الصفوة) التي عاشت في مصر إبان حكم الرومان؛ ليس ذلك فحسب، بل إنَّه من المصادفات الفريدة وحسن الطالع أن نحصل على مثل هذه الصورة الواضحة من خلال الوثائق عن عائلة في التاريخ القديم، مثلما نعرف عن أسرة أبوللونيوس وعنه شخصيًا، سواء عن حياته الخاصة من خلال المراسلات التي كانت بينه وبين أفراد أسرته مثل زوجته إليني، وأمه يودايمونيس، وابنته هيرايدوس، وبعض الشخصيات الأخرى، أو عن الحياة الإدارية في مصر في تلك الفترة من خلال عمله كإستراتيجوس لإقليم ابوللونوبوليس هيبتاكوميا.
والجديد في الأمر هو ما دفعه بوصفه حاكمًا مدنيًّا إلى المشاركة في الحرب اليهودية التي حدثت في الفترة من 115-117م، التي سببت خرابًا ودمارًا كبيرًا، لدرجة جعلت الإدارة الرومانية تُجند الفلاحين من كل المقاطعات المصرية للمشاركة في ضرب الخطر اليهودي وردعه، وشارك أبوللونيوس نفسه في هذه الحرب.
كما توضح هذه المراسلات وجود مجموعة من النساء يرتبطن بروابط قوية من الحب والصداقة والإخلاص. هؤلاء النسوة فرقتهن ظروف الحياة، ومواجهة المخاوف الناجمة عن الحرب التي اندلعت بشراسة كبيرة، وحاول هؤلاء النسوة من خلال مراسلتهن التغلب على المسافات، وتواصلن مع أحبائهن.
وتعد وثائق هذا الأرشيف مصدرًا مهمًّا للتأريخ لهذه الحرب من خلال المراسلات التي تمت بين أبوللونيوس وأسرته، فبعدما أنهى عمله كإستراتيجوس أحضر معه أوراقه وخطاباته، وأصبحت هذه الأوراق (الوثائق) مُنذ اكتشافها مصدرًا مهمًّا لمعرفة مختلف أوجه الحياة اليومية في الريف المصري في تلك الفترة.