"تكبر يا أخضر، وتكونْ شيخ الأزهر".. هكذا كانت تمنى نفسها السيدة حليمة، وهى تحدث طفلها الخضر حسين، لكنها لم تكن تعرف حينها أن رضيعها سوف يصبح التونسى الوحيد وربما الأجنبى الأوحد الذى وصل إلى مكانة مشيخة الأزهر فى العصر الحديث، ويصبح إماما أكبر.
تمر اليوم الذكرى الـ65 على رحيل الشيخ محمد الخضر حسين، شيخ الأزهر الأسبق، إذ رحل عن عالمنا فى 28 فبراير عام 1958، وهو فقيه، وعالم لغوى، ومصلح دينى، ورائد من رواد الوسطية والتجديد فى القرن الرابع عشر الهجرى، وأحد كبار شيوخ الجامع الأزهر.
وعائلة "الحسين" التى ينتسب إليها الشيخ الخضر عائلة ماجدة فى حسبها ونسبها، وأفرادها نجوم فى سماء العلم والمعرفة فالخضر وشقيقاه "المكى" و"زين العابدين" من أكابر العلماء، وأثروا المكتبة العربية بمؤلفاتهم، كما أن أمه تنتمى إلى أسرة فاضلة مشهورة بالعلم والتقوى والصلاح، فهى كريمة الشيخ مصطفى بن عزوز، من أهل العلم والفضل، وأبو جده لأمه العالم الصالح "محمد بن عزوز"، وخاله السيد محمد المكي بن عزوز من كبار العلماء المصلحين، وهو الذي تأثر به الشيخ محمد الخضر حسين تأثرا كبيرا، وكان موضع الإجلال والتقدير من رجال الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد، وقضى الشطر الأخير من حياته في "الآستانة" تلبية لرغبة السلطان.
ويبدو أن النشأة الدينية التى خرج فيها الشيخ الخضر حسين، وتأثر والدته بالأزهر الشريف، جعل الوصول إلى الجامع والجامعة الأبرز فى العالم الإسلامى حلما، لكنه تحقق، لكن الموت غيب الأم قبل أن تشاهد بعينيها ما كانت تراه حلما، وذاع صيت وعلم الشيخ الخضر حسين في مصر حتى نال عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة “القياس في اللغة العربية” 1950م.
وبعد قيام ثورة يوليو سنة 1952 في مصر، تم الاتفاق على أن يتولى قيادة الأزهر مجاهد عربى من قادة المسلمين ومن أصل بلد دفع فيما بعد مليونا ونصف المليون شهيد فى سبيل حريته هو الجزائر، وعندما عُرضت عليه مشيخة الأزهر، وما كان يتوقع أن يعتلي هذا المنصب في يوم من الأيام، قال الخضر لخلصائه "لقد سقطت المشيخة فى حجري من حيث لا أحتسب"، وولي الشيخ منصبه وفي ذهنه برنامج إصلاحي كبير للنهضة بهذه المؤسسة الإسلامية الكبرى، وجعْلها وسيلة لبعث النهضة الإسلامية، التي يتطلع إليها العالم الإسلامي.
وبالفعل كان للشيخ الخضر حسين أثرا كبيرا في الأزهر الشريف بعد توليه المشيخة فقد كان صادعا بالحق، لكنه لم يلبث أن قدم استقالته من مشيخة الأزهر في 7 يناير 1954م. ومن المواقف التاريخية العجيبة للإمام الأكبر الشيخ الخضر حسين أنه لما تولى مشيخة الأزهر كتب استقالة غير مؤرَّخة من صورتين، احتفظ بإحداهما في مكتبه، وأعطى الأخرى للشيخ بسيوني مدير مكتبه.