ضمن البرنامج الفكرى المصاحب لفعاليات الدورة العشرين من أيامالشارقة التراثيةعقدت فى متحف بيت النابودة أولى جلسات المقهى الثقافى، حيث ناقشت آفاق "استلهام التراث فى الإبداع المسرحى" على الصعيدين المحلى والعربى، وتحدث فيها كل من الباحث التشكيلى والمسرحى الإماراتى الدكتور محمد يوسف، والناقد المسرحى السودانى محمد سيد أحمد، وقدمها وأدارها الكاتب المسرحى المصرى مجدى محفوظ.
وسلطت الجلسة الضوء على حضور التراث فى العمل المسرحى العربى، وكشفت عن بعض الجهود والتجارب العربية المبذولة للبحث عن هوية واضحة وذات دلالة للمسرح العربى من خلال التراث واستلهام مكوناته المادية وغير المادية المختلفة وعكسها على خشبة المسرح بصورة فنية ذكية، واستعرضت الجلسة نماذج من هذه التجارب في مختلف الأقطار العربية التي عاشت الجدل في البحث عن المسرح العربي من خلال استلهامها للتراث، وتوظيفه بأشكال متنوعة ومتباينة للوصول إلى مسرح عربي له خصائصه الفنية وأشكاله التعبيرية الخاصة سواء من حيث السينوغرافيا أو من حيث استحضار التراث الفنى الشعبى والآلات التراثية التقليدية وما يرتبط بها من أدوات وتقنيات مختلفة.
بدأ الدكتور محمد يوسف مداخلته بالحديث عن لغة المسرح، والتى رأى أنها عملية تطوير مستمرة تعتمد على نسيج متنوع لخيوط وألوان متعددة، تهدف إلى شدّ انتباه وحواس المتلقى بكل اهتمام وتركيز، وأوضح الباحث أن المسرح يعد أحد أقدم الفنون التى عرفها الإنسان منذ عهد الإغريق، مؤكدًا أنه اشتمل فى طياته عبر مسيرة تطوره التاريخى على عدة فنون مصاحبة مثل الرقص والأغانى والموسيقى وغيرها، ما جعله بحق "أب الفنون".
وعن التراث وعلاقته بالإبداع المسرحى كمصدر للإلهام والتطور، رأى يوسف أنه يعد بمثابة المخزون الثقافى والحضارى الذّى يتوارثه الخلف عن السلف ومن ثم يمكن استثماره واستلهامه في تحقيق الإبداع والتجديد في أنشطة وفنون الحياة الإنسانية ككل، ومنها فن المسرح، موضحًا بأن المسرح الإماراتي قطع خطوات نوعية وناجحة فى الاعتماد على التراث والاستفادة منه سواء كان شعبيًا أو تاريخيًا أو أسطوريًا أو دينيًا، وتوجه منذ بواكيره نحو استلهام التراث والاقتباس منه وتوظيفه إما بشكل مباشر من خلال الأهازيج والأغاني الشعبية أو غير مباشر عبر الفعل الدرامي، حيث ارتبط كُتاب المسرح الإماراتي بالتراث واستمدوا من مضامينه الثرية مادتهم المسرحية، واستعرض الباحث عددًا من المسرحيات الإماراتية التي وظفت التراث بنجاح واستقت منه مواضيعها ومادتها، ومنها تجربة الفنانين محمد العامري وحسن رجب في توظيفهما للموروث الشعبي والموسيقى الجمالية واستحضار الماضي إلى الجيل الحالي بعناصر تراثية يتم إعادة إنتاجها بصورة إبداعية وداعمة للعمل المسرحي، مشيرًا على سبيل المثال إلى مسرحية "رجل النهار" ومسرحية "زغنبوت"، كما أكد أهمية دور المخرج في إنجاح العمل المسرحي المبدع الذي يستلهم التراث.
من جانبه تتبع الباحث أحمد سيد أحمد مراحل تطور النص التراثي وتشكله في المسرح العربي، وأرجع استلهام التراث في العمل المسرحي إلى عاملين أحدهما فني يتمثل في إحساس الكاتب المسرحي بثراء وغنى تراثه بالمفاهيم والأشكال المسرحية التي تمنح مسرحه طاقات تعبيرية قصوى، ومن ثم كان توظيفه للتراث بهدف تحقيق تواصل بين القديم والحديث، ويكسب تجربته نوعاً من الأصالة الفنية وبعداً تاريخياً حضارياً وشمولية تتخطى حواجز الزمن بالمزج بين الماضي والحاضر في وحدة كاملة، أما العامل الثاني فهو عامل سياسي وثقافي مرتبط بالقيم، تجلت بدايته في مرحلة ما بعد النكسة، حين برزت في ذهن المثقف العربي فكرة الهوية والانتماء، فأمام الهجمة الاستعمارية بدأت الأنظار تتجه إلى التراث بوصفه الكل الجامع والأساس الذي تقوم عليه الهوية العربية، واستعرض سيد أحمد تجارب لكتّاب من مختلف الأقطار العربية استلهموا التراث في أعمالهم المسرحية ومنها تجارب من تونس ومصر والسودان والمغرب.
وتحدث عن التجربة المسرحية الإماراتية وتوظيفها للتراث واستفادتها من رواد المسرحيين العرب الذي قدموا إلى الدولة في بواكير نشأتها وأسهموا في تطور المسرح فيها وتكوين كفاءات مسرحية إماراتية، كما تحدث عن التجربة المسرحية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على صعيد استلهام التراث والتاريخ في العديد من المسرحيات مثل النمرود، والقضية، وشمشون الجبار وغيرها، وأيضًا تجربة الفنان محمد العامري في ابتكار أماكن جديدة للعرض المسرحي، وجعل مفردة تراثية معينة مركزًا لفكرة العرض مثل سعف النخل، أو قماش تراثي معين، أو الأخشاب القديمة، أو مهنة الغوص على اللؤلؤ، والسواحل، والبيوت القديمة، بالإضافة إلى الحديث بشكل موجز عن تجربة ناجي الحاي، وعبدالله زيد وغيرهما من فناني المسرح الإماراتي.