نزل القرآن الكريم ليكون بيانا من الهدى والفرقان للمسلمين، وكانت واحدة من معجزاته هو لغته ونصه البديع، معانى وجماليات رائعة، آيات قرآنية زينها الحسن والإبداع والإتقان، يعجز أن يكتبها أكبر الشعراء، تحمل مفاهيم وإشارات ودلالات من رب العالمين.
وواحدة من آيات القرآن الكريم، التى تحمل صورا بلاغية رائعة، ونجد فيها تصويرا فنيا بديعا، قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (سورة الْكَهْفِ: 18/103-104).
والآية السابقة كانت كلمات رب العالمين بصفة الجمع، عن "الأخسرين" أى أكثر المتضررين، والذين يعيشون حالة تامة من الضياع، هؤلاء الذين يفسدون ويدمرون ويعتقدون أنهم يفعلون الصواب، الذين قد يهملون أمورًا في غاية الأهمية ويغفلون عن الأساسيات الضرورية من إيمان بالله، الأمر ليس كذلك فحسب، بل أنهم يعتقدون أنهم يقومون بأمور عظيمة ومهمّة، بينما هم في الحقيقة في ضلال وخسران.
ووفقا لتفسير السعدى فإن المقصود بقوله {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}- أى: بطل واضمحل كل ما عملوه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه، فكيف بأعمالهم التي يعلمون أنها باطلة، وأنها محادة لله ورسله ومعاداة؟" فمن هم هؤلاء الذين خسرت أعمالهم، فـ {فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؟ ألا ذلك هو الخسران المبين}.
وفى تفسير الوسيط، يأتى تفسير الآية سالفة الذكر وكأن الله تعالى ينبئنا عن هؤلاء الأخسرين أعمالا؟ فكان الجواب: هم الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ أى بطل وضاع بالكلية سعيهم وعملهم في هذه الحياة الدنيا بسبب إصرارهم على كفرهم وشركهم، فالجملة الكريمة خبر لمبتدأ محذوف. وقوله وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أى: والحال أنهم يظنون أنهم يقدمون الأعمال الحسنة التي تنفعهم.
فالجملة الكريمة حال من فاعل ضَلَّ أى: ضل وبطل سعيهم، والحال أنهم يظنون العكس. كما قال-تبارك وتعالى-: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً. وهذا هو الجهل المركب بعينه، لأن الذي يعمل السوء ويعلم أنه سوء قد ترجى استقامته. أما الذي يعمل السوء ويظنه عملا حسنا فهذا هو الضلال المبين.