كانت آية للمبصر، وغاية لم تقصر، سبقت فحول الرجال، وأغرمت بحب السهر، وملكت نفسها ملك من قهر، فأصبحت لها شكيمتها وأصبحت مثل الصباح شيمها، ودامت في أدويتها هائمة، وفوق ألويتها حائمة، إلى أن دعيت فأجابت، وجالت المهامه وجابت، إنها العابدة والزاهدة وأم الاتباع والعارفين، السيدة رابعة العدوية.
هي رابعة بنت إسماعيل، العدوية البصرية مولاة إل عتيك وتكنى "أم الخير" كما ذكر ابن خانكان صاحب كتاب وفيات الأعيان، ولدت في مدينة البصرة، ويرجح مولدها حوالي عام (100هـ / 717م)، من أب عابد فقير، وهي ابنته الرابعة وهذا يفسر سبب تسميتها رابعة فهي البنت «الرابعة» وهي من عشيرة القيسيون ومنهم رياح القيسي وحيان القيسي وهم من نسبها إليهم الجاحظ والذين كان لهم دوراً هاماً في حياة رابعة. وبالرغم من كثرة التراجم التي نقلت عن رابعة إلا أن هناك خلط بينها وبين سميات لها مثل "رابعة بنت إسماعيل" زوجة أحمد بن أبي الحواري لذلك كان كل من الشعرواي وابن الجوزي يميزوها باسم رابعة العدوية البصرية عن الأخرى الشامية.
صوفية رابعة العدوية
وفقا لكتاب "عن المرأة" للكاتبة الكبيرة نوال السعداوى، فإن الصوفية بدأت كحركة زهد وابتعاد عن الصراعات الدموية السياسية التي سادت إبان الحكم الأموي، وخلال عهد الحجاج الطاغية وحتى بدايات القرن الثاني الهجري، ورغم أنها كانت أصلًا حركة هروبية من مواجهة الصراعات أو الوقوف مع أصحاب الحق ضد الطغاة إلا أنها ارتدت ثوبًا دينيًّا وانعزلت عن الحياة الاجتماعية، وحاول بعض أقطابها تصوير زهدهم على أنه انصراف عن الشهوات وأولها الجنس وليس انصرافًا عن السياسة. وقد قيل إن عامر بن عبد قيس كان يدعو الله: أن ينزع شهوة النساء من قلبه، وجاء عن الحسن البصري أنه كان يقول: «إذا أراد الله بعبد خيرًا لم يشغله بزوج ولا ولد.» أما الفُضيل بن عياض فقد قيل إنه دخل حياة الزهد بعد أن قرر عدم الذهاب إلى عشيقته الجارية، وكان في طريقه إليها حين سمع رجلًا يتلو الآية القرآنية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ، فقال الفضيل: «يا رب، قد آن فرجع».
فضل رابعة العدوية
بحسب كتاب "شهيرات النساء في العالم الإسلامي" تأليف قدرية حسين، السيدة رابعة العدوية هي أم الخير بنت إسماعيل ومن موالي آل عتيك، مولدها البصرة وإننا وإن كنا لا نعلم تمامًا تاريخ ميلادها من المراجع التي بين أيدينا، إلا أنه نظرًا لوفاتها عام 1352 ولأنها عاشت نحو ثمانين سنة فإنها تُعتبر بحق من ربات الخدور في أوائل العصر الهجري.
أفنتْ حياتها في العبادة والتقوى وإصلاح النفس وكبح جماح الشهوات، فقد كانتْ نموذج الكمال في عصرها، آثرتْ كل تضحية وعاشتْ فقيرة معوزة لتصل إلى هذه الدرجة العالية، فهي بحق من أعيان عصرها في الإسلام.
كانت تفوق نساء زمانها وتمتاز عليهن لا بالزهد والتقوى فحسب، بل بفضلها وعرفانها، بعلمها وأدبها، حتى رَنَتْ إليها الأبصار وتطاولتْ نحوها الأعناق، كان يتلذَّذ بصحبتها ويستفيد من معاشرتها أمثال حسن البصري التقي الشهير، وشقيق البلخي الصوفي العظيم، وسفيان الثوري المجتهد الكبير، والملك دينار، حاكم الكرج والشاعر البليغ، كل هؤلاء الأفاضل صاحبوها وجالسوها وحضروا مباحثها في الدين والعلم، فأجلُّوها وقدَّروا عقلها وذكاءها، وأعظموا حال زهدها وتقواها.