الأمر لم يمر مرور الكرام، فالكثير من الانتقادات لاحقت هذا الفيلم الوثائقى الذى سمى بـ"الملكة كليوباترا" بمجرد نشر إحدى المنصات العالمية "برومو" عن هذا الفيلم كنوع من أنواع التشويق، بمجرد مشاهدة الناس هذه الدعاية لما يحمل من أكاذيب بدأت من شكل الملكة التى ظهرت بملامح أفريقية، بمعنى أنها ظهرت سوداء البشرة بشفاه غليظة وأنف عريضة.
فمن تكون الملكة كليوباتر الحقيقة هذا ما نستعرضه من خلال كتاب "ملكات من مصر القديمة" لعالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، وعن الملكة كليوباتر السابعة يقول: لم تحظِ ملكة عبر العصور بما حظيت به الملكة الأشهر كليوباترا السابعة من عشق وهيام وإعجاب ليس له مثيل عبر الأزمنة والعصور ومن خلال الأمكنة والحضارات.
لقد كانت الأسرة البطلمية شبه ميتة قبل وصول كليوباترا إلى حكم مصر بيد أنها عجلت باحتلال الرومان لمصر، ليس عن طريق القوة العسكرية فقط، بل عن طريق إلهاب قلوب وعقول قادتها، مما دفعهم إلى احتلالها وتحويلها إلى جزء من الإمبراطورية الرومانية.
بعد موت والدها بطليموس الثاني عشر الزمار، انتقل العرش إلى ابنه وابنته، غير أن الاثنين كان يمتلكان الطموح ليحكم كل منهما مستقلاً، فوقع بينهما صراع شديد، وجدت كليوباترا من خلاله أنها لا تحارب أخيها فقط، لكن رجال القصر أيضًا، فقررت الهرب حتى تجد الفرصة سانحة للعودة.
كانت كليوباترا تخطط للعودة إلى الحكم، وكان الصراع في روما للسيطرة عليها على أشده بين يوليوس قيصر وصديقه وشريكه بومبي، وانتهى الصراع بهزيمة بومبي، وهروبه إلى مصر، عسى أن يجد ردًا لجميله عند أبناء بطليموس الزمار إذ كان بومبي هو من أعاده إلى مصر. ووصل بومبي إلى مصر، لكنه قُتل. ووصل يوليوس قيصر إلى الإسكندرية. وحين علم بقتل بومبي، حزن كثيرًا على صديقه، وأكرم مثواه. وبعد أن هدأ يوليوس قيصر من صدمة قتل صديقه، بدأ يتجول في المدينة وكأنه ملك على البلاد؛ فاستفز ذلك كثيرًا من الإسكندريين الوطنيين.
علم يوليوس قيصر بالمشكلات التي بين الأخوين؛ فأرسل في طلبهما. ودخلت كليوباترا القصر من خلال خادمها الذي لفها في سجادة؛ فخرجت منها كأفروديت، ربة الحب والجمال الخارجة من القوقعة، فانبهر بها يوليوس قيصر. وبعد هزيمة أخيها، أعلن يوليوس قيصر الملكة كليوباترا السابعة ملكة على مصر.
كان عليها أن تدفع ثمن مساعدة قيصر لها، وكان الثمن هو رحلة نيلية لثلاثة أشهر، عادت منها كليوباترا تحمل طفله في أحشائها، وعاد قيصر إلى روما بعد أن أعلن كليوباترا ملكة على مصر، وزوجها من أخيها بطليموس الرابع عشر، وما لبثت كليوباترا أن أنجبت ابنًا من يوليوس قيصر. باسم "قيصر"، وأسماه المصريون ساخرين "قيصرون".
شهدت مصر في تلك الفترة من حكم كليوباترا نهضة قوية في الاقتصاد والحياة السياسية. وقامت كليوباترا بزيارة روما ومقابلة قيصر، وشعرت وكأنها أصبحت ملكة على روما. ومكثت هناك عامين. ثم قُتل يوليوس قيصر داخل السيناتو.
مثلت نهاية قيصر غير المتوقعة صدمة عنيفة لكليوباترا التي لملمت أحزانها، وعادت إلى مصر، وأعلنت ابنها قيصر (أو قيصرون) شريكًا لها في حكم مصر، بعد أن قتلت أخاها بطليموس الرابع عشر.
في روما اندلع الصراع الشديد بين أنصار وأعداء يوليوس قيصر، وتزعم جيش الأنصار مارك أنتوني وأوكتافيوس، وانتهى الصراع بهزيمة أعداء يوليوس قيصر، واقتسام الملكية بين أنصار يوليوس قيصر. وكان نصيب مارك أنتوني الجزء الشرقي من الإمبراطورية.
أرسل ذلك العاشق القديم إلى كليوباترا طالبًا اللقاء، ولم تبذل كليوباترا الكثير من المجهود؛ فمارك أنتوني كان على أتم الاستعداد للوقوع في شباكها، وأنجب منها ثلاثة أبناء. بل أعلن أن أبناءه منها هم الأبناء الشرعيون. وأعلن زواجه منها مخالفًا بذلك القانون الروماني الذي لم يكن يسمح بالزواج من أجنبيات. وقام بتطليق زوجته شقيقة أوكتافيوس. وأعلن أن كل الولايات الشرقية ملك كليوباترا، وأن الإسكندرية هي عاصمة الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية.
فأعلن أوكتافيوس الحرب على شريك وصديق الأمس الذي أصبح عدو اليوم، وبدأ يشهر به وبكليوباترا التي أطلق عليها وصف "العاهرة"! ونجح في الحصول على موافقة السيناتو في شن حرب للقضاء على كليوباترا وأنتوني، وأقسم أن يحضر كليوباترا مقيدة بالسلاسل إلى روما.
بالفعل التقى الطرفان في موقعة أكتيوم البحرية، وهُزم فيها أنتوني وكليوباترا وهربا إلى مصر، وأشاعت كليوباترا أنها ماتت لتستثير قوة أنتوني. غير أنه مات، ودخل أوكتافيوس من سوريا إلى مصر. واستولى عليها تمامًا، وحاولت معه كليوباترا بكل الوسائل. غير أن هذا الشخص، العصامي الريفي الأصل، رفض كل محاولات كليوباترا التي أخذت حياتها بيديها عن طريق حية الكوبرا، وإن كان المؤرخ بلوتارخ، الذي يحمل كليوباترا المسئولية كاملة، يرى أن أوكتافيوس أرسل إليها من يقتلها.
تعد موقعة أكتيوم حدًا فاصلاً في تاريخ الأسرة البطلمية وروما، فهي حرب قامت بين دولتين خارج حدود الدولتين، وغيرت مصير الدولتين. وكان السبب الرئيس لتلك المعركة هو ما أعلنه أوكتافيوس من دعاية ضد شريكه أنتوني الذي ترك زوجته أوكتافيا، أخت أوكتافيوس، وتزوج من كليوباترا، وإعلانه شرعية هذه الزيجة، ورغبته في الدفن في الإسكندرية. وأعلن أوكتافيوس في السيناتو أنه سينتقم من العاهرة التي تحكم مصر.
بدأ يستعد للحرب معلنًا أنه يريد القضاء على المرأة الأجنبية التى تريد السيطرة على روما، ووضعت كليوباترا وأنتونى القوات عند أكتيوم على الشواطئ الغربية لليونان، ويروي بلوتارخ في وصفه لسيرة حياة أنتوني أن كليوباترا رفضت النصيحة بالابتعاد عن الحرب والعودة إلى مصر خشية أن يحدث اتفاق منفرد بين أوكتافيوس وأنتوني، فتفقد حليفها وشريكها أنتوني، ومن ثم سلطانها.
ويستمر بلوتارخ فى سرد المعركة محملاً كليوباترا خطأ خوض معركة بحرية في الوقت الذي كان معروفًا أن قوة أنتوني في المعارك البرية. وانتهى الجزء الأول من المعركة بانتصار أوكتافيوس. وأصبح الطريق ممهدًا أمامه للإسكندرية التي حاول أنتوني الدفاع عنها، بيد أنه لم يتمكن من ذلك؛ لانكسار روح جنوده المعنوية، وتسرب نبأ انتحار كليوباترا الذي كان له تأثير سلبي على أنتوني الذي فضّل الموت على العيش دونها.
دخل أوكتافيوس الإسكندرية، وحاولت كليوباترا إثناءه عن عزمه في أن يقيدها بالسلاسل في شوارع روما؛ فعرضت عليه التنازل عن العرش لأبنائها مقابل أن يمنحها الأمان، ولكنه كان مصرًا على رأيه؛ فآثرت كليوباترا الانتحار بحية الكوبرا، وإن كان البعض يذكر أن أوكتافيوس قد تمكن منها وقتلها.
بهزيمة وموت كليوباترا السابعة تسقط دولة البطالمة، وتدخل مصر إلى حظيرة الإمبراطورية الرومانية منذ عام 30 قبل الميلاد.
لقد كانت الملكة الجميلة والذكية والمثيرة كليوباترا السابعة، وريثة المصريين القدماء وسليلة البطالمة، ملكة هزت العالم، وغيرت التاريخ، واهتمت بها الآداب والفنون في العالم كله قديمًا وحديثًا أكثر من أية ملكة أخرى عداها شاء من شاء وأبى من أبى.