نلقى الضوء على كتاب "الأنثروبولوجيا فى مصر1900-1967 الثقافة، الوظيفة، الإصلاح" من تأليف نيكولاس س هوبكنز ومن ترجمة فريال غزول، والصادر عن المركز القومى للترجمة.
يتخذ تاريخ الأنثروبولوجيا فى مصر نهجًا متعثرًا وهشًا، لقد جذبت مصر دوما الأنثروبولوجيين وأسهمت بدراسات ممتازة فى هذا المجال، إلا أن هذا الحقل العلمي لم يكتسب جذورًا راسخة ولم ينتشر على مستوى المؤسسات ولم يطور قابلبة إنتاج جيل صاعد من الأنثروبولوجيين فى مصر، فالأنثروبولوجيا فى مصر لم تنتج تراكما ونحاول عبر رصد الأنثروبولوجيا من بداياتها فى القرن العشرين إلى حرب 1967، توضيح أساساها وظروفها. لقد كانت الستينيات من القرن العشرين لحظة انقلاب فى الأنثروبولوجيا، لا في مصر فحسب بل فى العالم كله، حيث تحولت بؤرة التركيز من المنظور الوظيفي إلى المنظور الماركسي، ثم بعد ذلك إلى منظور ما بعد الحداثة .
ويحق أن نتساءل: ما الأنثروبولوجيا؟ وما الذي يميزها عن علم الاجتماع أو الجغرافيا أو الفلكلور؟ تتخصص الأنثروبولوجيا فى الدراسة المقارنة للبشر من وجهة نظر اجتماعية وثقافية وأحيانا بيولوجية. وهي تركز على الجماعة لا الفرد، أو على الأصح تركز على الفرد المندمج فى الجماعة. وما بين الفرد والجماعة نجد المؤسسات التي توفق بين أفراد بمجموعة من المعايير الثقافية التي تتخلل المؤسسة، وعلى سبيل المثال: العائلة أو الجامعة. وتتعامل الأنثروبولوجيا باعتبار المؤسسات المتعددة التي تعكس النسق الاجتماعي أو المعايير الثقافية تتراسل مع بعضها بحيث إن كل مؤسسة تساهم فى فهم المؤسسات الأخرى وإدراكها . إلا أن الجماعات تتشكل من أفراد، وأفعال الأفراد تأخذ بنظر الاعتبار وفى آن واحد الإطار وتعديل هذا الإطار أحيانا، فما من أحد أسير الإطار.
وقد تأسست فى مصر فروع علمية عديدة مرتبطة بالأنثروبولوحيا ولكن خارج السياقى الجامعي ومما لا شك فيه أن علم المصريات كان مهما فى مصر منذ تاريخ مبكر، وعلى أقل تقدير منذ احتلال نابليون بونابرت ووصف بعثته العلمية لمصر ، كما أن الجغرافيا والاقتصاد استفادا من الرعاية الملكية المبكرة.
يقدم هذا الكتاب رواد الأنثروبولوجيا فى مصر فى القرن العشرين وتحديدًا خلال الأعوام (1967-1900 ) والذين أسهموا بدراساتهم الميدانية وأعمالهم الأكاديمية فى كتابة فصل مميز فى تاريخ العلوم الاجتماعية مركزين على مصر ووادى النيل، موظفين المنظور الثقافى والوظيفى والإصلاحى فى تلك الدراسات.
وعلى اختلاف جنسياتهم ومراجعهم ومناهجهم شاركوا فى إضاءة الثقافة المصرية كما يعيشها الناس فى القرى و المدن فى الصحراء وفى الواحات بعلاقاتها المركبة؛ حيث تتشابك القيم التقليدية بالتعليم الحديث وتتداخل علاقات القرابة بالبنية الاقتصادية وتتقاطع الأبعاد الأخلاقية بالمكانة الاجتماعية.
تتناول هذه الدراسة بدايات الأنثربولوجيا فى مصر و تطورها على يد أنثروبولوجيين مثل وينفرد بلاكمان و هانس فينكلر و إدوارد إيفانز –بريتشارد واّرثر هوكارت وعلى عيسى ومحمد جلال وهنرى عريوط وعباس عمار ثم استكمال المسيرة على يد حامد عمار و أحمد أبو زيد وجاك بيرك وليلى الحمامصى وسيد عويس وغيرهم.
ويختتم الكتاب باستشراف المستقبل الفكرى للأنثربولوجيا فى مصر و تجربة الأقطار العربية الأخرى فى مجال الانثربولوجيا الاجتماعية.