"ثم كانت تظهر بثرة على أفخاذهم أو على أعضادهم كانت هذه تصيب الجسم بأكمله، فكان المريض يتقيأ دمًا بشدة. كان هذا التقيؤ للدم يستمر بلا انقطاع طيلة ثلاثة أيام، ولم توجد وسيلة لعلاجه، ثم يلقى المريض حتفه" هكذا وصف الراهب الفرنسيسكاني مايكل من بلدية بياتسا أولى ضحايا الموت الأسود .. الطاعون.
تعود القصة لشهر أكتوبر عام 1347، حيث كان كل ما يعرفه الأشخاص الذين عاشوا في هذا الزمن هو أن مرضًا معديًا فتاكًا وغير معروف من قبل قد ظهر من العدم في جزيرة صقلية، ولم يكن بمقدورهم أن يجدوا سبيلًا لفهم طبيعة خصمهم.
كان حجم الكارثة غيرَ مسبوق؛ إذ لم يكن يوجد أي علاج، وكان كل شخص يصاب بالعدوى يموت ميتة شنيعة بحق، كان هذا أول ظهور لطاعون من شأنه أن يدمر أوروبا على مدار الثلاثمائة عام التالية، ويحصد أرواح ملايين لا حصر لها من الضحايا، أكبر سفاح على مر العصور وأكبر حادث مأساوي في تاريخ البشرية.
وتلك الأمر يقودنا إلى سرد قصة الضحايا الأوائل، فإن الروايات المعاصرة عن أول ظهور للطاعون تتحدث إلينا عبر القرون، ناقلة شيئًا من الرعب والإحباط المطلقين اللذين ابتليت بهما شعوب بأكملها، وصف الراهب مايكل من بلدية بياتسا كيف أن 12 سفينة قادمة من مدينة جنوة الإيطالية، قيل إنها خرجت من القرم، قد دخلت ميناء مسينة في صقلية، وأطقمها الذين حملوا مثل هذا المرض المعدي "في عظامهم حتى إن كل شخص تحدث إليهم فحسب كان يُصاب بمرض مُهْلِك يستحيل معه الفرار من الموت. انتقلت العدوى إلى كل شخص تعامل مع المريض بأي شكل، وقد شعر المصابون بألم يخترق كل أنحاء جسدهم"، حسب ما جاء فى كتاب "عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" لسوزان سكوت وكريستوفر دنكان، ترجمة فايقة جرجس حنا مراجعة هاني فتحي سليمان وسارة عادل.
يبدو أن أطقم السفن كانوا أصحاء ولم تظهر عليهم أية أعراض، ومع ذلك خرَّ أهل مسينة صَرْعَى سريعًا. عندما أشارت السلطات بأصابع الاتهام إلى السفن، باعتبارها المسئولة عن جلب هذا المرض المخيف، طردوها من الميناء وأجبروا أطقمها على الإبحار مرة أخرى. أما أطقم البحارة، الذين كانوا لا يزالون يتمتعون بوافر الصحة، فلا بد أنهم كانوا في حيرة وسخط.
قيل إنهم أبحروا من هناك إلى جنوة، ولدى وصولهم بدأت نوبةُ تفشٍّ جديدة للوباء المميت، حيث انتشر المرض سريعًا، تقريبًا في نفس الوقت الذي رست فيه السفينة. مرة أخرى، تشير التقارير إلى أن أفراد الأطقم نَجَوْا من الطاعون، ومن الواضح أن هذه التقارير انطوت على مبالغة كبيرة، وقد خلصنا إلى أن الوباء كان قد تفشى بالفعل بحلول الوقت الذي وصلت فيه السفن إلى مسينة.
ونظرًا لأن أطقم السفن كانوا يتمتعون بوافر الصحة بعد رحلة دامت على الأقل شهرًا، بالإضافة إلى الرحلة الأبعد إلى جنوة، فمن المستحيل أنهم كانوا يحملون العَدْوَى. ومجرد وصولهم في الوقت الذي أدرك فيه أهل مسينة أنهم يتعرضون لوباء كان حتما مجرد صدفة بحته، ونخلص من هذا إلى أنه كان يوجد في الغالب ضحايا لم يتعرف عليهم ماتوا من الطاعون في مسينة على مدار بضعة أسابيع قبل وصول السفن.
ولقد فر أهل مسينة في هلع جنوني، ناشرين الطاعون في كل أنحاء صقلية، كان تعداد الوفيات كبيرًا فى سيراقوسة، ويقال إن ميناء ترابانى أصبح خاليًا من السكان.