سيجموند فرويد، العالم النفسى الأشهر فى القرن العشرين، طبيب نمساوى من أصل يهودى، اختص بدراسة الطب العصبى ومفكر حر يعتبر مؤسس علم التحليل النفسى، وهو طبيب الأعصاب النمساوى الذى أسس مدرسة التحليل النفسى وعلم النفس الحديث، اشتهر فرويد بنظريات العقل واللاوعى، والذى تمر ذكرى ميلاده اليوم، إذ ولد يوم 6 مايو من عام 1856م، وكان له رأى علمى فى النرجسية والمثل الأعلى للأنا والتماهى، وهو ما نستعرضه من خلال كتاب "فرويد: قراءة عصرية" للمؤلف روزين جوزيف بيرلبِرج، وترجمة زياد إبراهيم مراجعة شيماء طه الريدى.
ذهب فرويد في بحثه "مقدمة عن النرجسية" (١٩١٤) إلى أن الأنا موضوع وفرد على حد سواء، وأضفى عليها أهمية جديدة جوهرية، وقدَّم بضعةَ أمثلة توضح كيف يمكننا اعتبار الأنا موضوعًا للطاقات النفسية الشهوانية.
إن مريض الفصام يفعل هذا ثم يتحول إلى مُصابٍ بجنون العظمة؛ فهو يسحب الطاقة النفسية الشهوانية من الموضوع، ويركزها بدلًا من ذلك على الأنا الخاصة به، وقد درس فرويد يومياتِ قاضٍ ألمانيٍّ كان يُعاني من نوبات جنون ارتياب ذُهاني (انظر الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب)؛ فقد شعر أنه بحاجةٍ لفهم الأنا المضطربة أثناء عملها من أجل استيعابِ طبيعة النشاط الوظيفي للأنا في الظروف الطبيعية وظروف العُصاب النفسي، أراد فرويد استكشاف تلك القُوى الخاصة بالأنا التي أدَّت إلى الكبت؛ فحتى ذلك الوقت، كان يتحدث بمصطلحاتٍ عامة عن الأنا كقوةٍ كابتة تدفعها تجارب الخزي والاشمئزاز وتأثير معاييرها الأخلاقية.
كُلنا نرتَد إلى حالةٍ من النرجسية عندما نخلُد إلى النوم ونهجر العالم، وأيضًا نسحب اهتمامنا بالكامل من العالم الخارجي عندما نُعاني من مرضٍ ما، ويتوجه تركيزنا النفسي نحو العضو المريض. وقد اقتبس فرويد من الكاتب الألماني فيلهلم بوش قوله: "مُتركّزة هي روحة في ثُقب الضرس الضيق".
ناقش فرويد كذلك دَور النرجسية في التطوُّر المُبكِّر في ذلك البحث، وراجع التتابُع التطوُّري الذي كان قد عَرضَه في بحث "ثلاثة مقالات عن نظرية الجنسانية" (١٩٠٥). في البداية تتمثل موضوعاتنا في تلك التي تُشبع الوظائف الحيوية لحفظ الذات مثل الجوع والعطش، وهي موضوعاتُ غرائز الأنا التي تُبقينا على قيد الحياة. تَتْبعها على الدرب نفسه دوافع الليبيدو، وينشأ حينذاك ما أسماه فرويد الارتباط الاتكالي بموضوعات دوافع البقاء وحفظ الذات. وسرعان ما تُصبِح الدوافع الشهوانية مستقلةً عن تلك الخاصة بحفظ الذات لكنها تظل مرتبطةً بالموضوعات الاتكالية نفسها. وحتى في مرحلة النضج، عندما نقع في الحب أو نرتبط بعلاقاتٍ عاطفية، نحتفظ بنماذج الموضوعات الاتكالية المُبكِّرة في حياتنا، وتحديدًا تلك التي تُغذِّينا وتحمينا. لكن فرويد يقول إننا أيضًا نُشكِّل علاقاتٍ نرجسية؛ ففي البداية يحب الطفل الرضيع نفسه، لكن عندما يعاني الطفل من أوائل الكوابح المعيارية النرجسية لقدرته الطفلية الكلية خلال طور النمو، ويبني داخل ذاته صورةً مثالية لنفسه وهي مثل الأنا الأعلى. يحصل مثل الأنا الأعلى على محتواه من البيئة؛ فالطفل يُعتبر طفلًا جيدًا إذا تبع المثل الأعلى لأنَاه، الذي يحوي أفكار الأم عن السلوك الواجب أن ينتهجه أيُّ طفلٍ صغير صالح. عند هذا يُقحم فرويد مرحلةً نرجسية بين المرحلة المبكرة للشبق الذاتي ومرحلة الموضوع من التطوُّر؛ فنظل نحمل نفسنا المثالية معنا على مدى حياتنا، وعندما يَترسَّخ المثل الأعلى للأنا، يُصبِح تقديرنا واحترامنا لذاتنا نابعًا من اعتقادنا بأننا قريبون من حالتنا المثالية. لكننا كذلك نُكوِّن علاقاتٍ نرجسية مع الموضوع عندما نختار موضوعًا يُمثِّل حالتنا المثالية ونقع في حُبه. وفي ذلك قال فرويد إن ما نحن عليه وما كُنا عليه وما نَودُّ أن نكون عليه يمكن العثور عليه مرةً أخرى في علاقةٍ نرجسية. ووصف فرويد كيف أن الآباء يُغالون في تقدير أبنائهم، واعتبر هذا إعادةَ إحياءٍ لنرجسيتهم واستنساخا لها، وربما يصف الآباء صغارهم قائلين: "أليس لطيفًا؟".
أكَّد فرويد أننا على مدى حياتنا نُكوِّن علاقات هي مزيج من حب الموضوع والحب النرجسي، فعندما نشعر بالرضا عن أنفسنا، يتوافر لدينا قدر كبير من احترام وتقدير الذات، وعندما نعكس المثال الأعلى للأنا الخاصة بنا في علاقة ما، نُكسب الموضوع صفة المثالية ونشعر بالتواضُع والذِّلة. لكن برجوع هذا الحب إلينا، نستعيد حبنا النرجسي.
ومن ثم يصبِح مثل الأنا الأعلى قوة خاصة داخل الأنا، فما أشار إليه فرويد بأنها القوى التي تكبت معاييرنا الأخلاقية وإحساسنا بالخزي والاشمئزاز، تصبِح الآن القوى التي تكبت مثل الأنا الأعلى؛ وقد أطلق فرويد ذاتَ مرة على تلك القُوى المُراقبِين الذين يقومون بوظيفة ضميرنا، وهي كذلك الرقيب على الأحلام.