يعد محمد على باشا أحد أشهر الشخصيات فى التاريخ المصري، صاحب تجربة مهمة فى حكم مصر، حتى أن البعض يطلق عليه باني نهضة مصر الحديثة، فكيف كانت حياته، وكيف وصل إلى حكم مصر.
يقول كتاب "تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر" لـ جرجي زيدان، عن هذه الفترة:
كان محمد علي في جملة القوة البحرية، وقد تجند إليها في جملة من تجند في براوسطة بصفة معاون لعلي آغا ابن مربيه على ثلاثمائة جندي ألباني (أرناءوط).
فجاءت العمارة إلى أبي قير، وكانت الغلبة هناك للفرنساويين، ثم عاد علي آغا إلى بلاده تاركًا رجاله تحت قيادة محمد علي، وكان هذا قد ترقى إلى رتبة بكباشي.
ثم تغلب العثمانيون بمساعدة العمارة الإنجليزية وحملة الصدر الأعظم، ودخلوا البلاد وأخرجوا الفرنساويين منسحبين انسحابًا قانونيًّا، وجعلوا يهتمون بتأييد سلطة الباب العالي فيها.
وكان في الجنود العثمانية جماعات من الأرناءوط والإنكشارية والغليونجية، فتفرقت هذه الجنود لحماية مصر السفلى وبعض مدن الصعيد. أما الإنجليز فكانوا تحت قيادة الجنرال هتشنسون فنزلوا الإسكندرية ريثما يقيمون في القطر المصري واليًا عثمانيًّا يؤيد سلطة الباب العالي، ويكبح جماح المماليك الذين كانوا لا يزالون يحاولون الاستقلال.
فأقاموا محمد خسرو باشا وكان في الأصل من مماليك حسين قبطان باشا، وهو الذي سعى له في هذه الولاية فجاء القاهرة وقاصَّ الذين كانوا فيها من محالفي الفرنساوية، وكان في يده أوامر سرية بإعدام المماليك جملة بأي وسيلة كانت، فبعث إلى محاربتهم وكانوا في الصعيد فتضايقوا ولم يروا وسيلة إلا الالتجاء إلى فرنسا، فكتبوا إليها يستنجدونها متعهدين بإجراء كل ما تطلبه منه فلم يسعدهم الحظ بمساعدتها.
أما الحملة التي بعثها خسرو باشا إلى الصعيد فإنها عادت ولم تأتِ بفائدة، ثم حاربهم مرارًا في أماكن مختلفة وفي جملتها واقعة بعث إليها حملة من جنده وكان محمد علي قد ترقى إلى رتبة سرحشمة، وصار قائدًا لأربعة آلاف من الألبانيين فأمره أن يسير في رجاله مددًا لتلك الحملة، فسارت الحملة وحاربت المماليك وانكسرت قبل وصول محمد علي ورجاله فنسب قائدها انكساره إلى تأخر محمد علي عن المجيء، وأبلغ ذلك لخسرو باشا، وكان هذا حاقدًا على محمد علي فاستقبل ذلك البلاغ بالصدق، وأقر على إعدامه سرًّا، وكتب إليه أن يوافيه في منتصف الليل للمخابرة ببعض الشئون، فأدرك محمد علي مراده، ولم يُجب الدعوة ولم يرَ وسيلة لنجاته من مكيدته وعدوانه إلا بالالتجاء إلى المماليك فانحاز إليهم، وأخذ في مخابرتهم سرًّا وجهرًا فتمكنوا بذلك التحالف من إخراج خسرو باشا من القاهرة قهرًا، ففر إلى دمياط وأقاموا مكانه طاهر باشا، ثم قُتل طاهر واحتل محمد علي القلعة برجاله، فقام أحمد باشا والي الشرطة إذ ذاك بطلب الولاية فأخرجه المماليك من القاهرة ذليلًا، ثم اتحد الجميع وساروا لمحاربة خسرو باشا في دمياط فأسروه، وجاءوا به إلى القاهرة وحجروا عليه في القلعة.
أما الباب العالي فلما بلغه ما حصل في مصر بعث إليهم واليًا اسمه علي باشا الجزائرلي فلم يصل القاهرة إلا بعد شق الأنفس، ولما وصلها عمد إلى الكيد بالمماليك ومحمد علي فعادت العائدة عليه.
وكان للماليك زعيمان: الألفي والبرديسي يتنازعان السلطة، وكان الألفي قد سار إلى إنجلترا يطلب مساعدتها على رفيقه للاستئثار بالسلطة، فلما عاد من سفرته اغتنم محمد علي تلك الفرصة وأوغر صدر مناظره البرديسي عليه، فنصب له مكيدة لم يقع فيها ولكنه فر إلى الصعيد، فظن البرديسي أن جو القاهرة قد خلا له، ولكن محمد علي كان له بالمرصاد فحرك الألبانيين عليه وأوعز إليهم سرًّا أن يُثيروا ويطالبوا بمرتباتهم، فقاموا وهددوا البرديسي بالأذى إذا لم يدفع إليهم المتأخرات، فضرب على أهل القاهرة أموالًا، واستبد في تحصيلها بقساوة، فثاروا جميعًا عليه فاضطر إلى مغادرة القاهرة ولم يعد يرجع إليها، وكل ذلك سنة 1804.
فلما فر الأميران، لم يبقَ في القاهرة من رجال السلطة إلا محمد علي، فجمع إليه العلماء والمشائخ وتفاوضوا في إخلاء سبيل خسرو باشا، فأقروا على ذلك وأن يعود إلى منصبه فأعادوه، ولكنه لم يمكث فيه إلا يومًا واحدًا ثم أخرجوه من القاهرة إلى رشيد ومنها إلى الآستانة، وكل ذلك بمساعي محمد علي ودهائه وحسن سياسته.
ثم تظاهر أن الأمور لا تستقيم في مصر إلا بتنصيب والٍ عثماني حر، وأشار بتنصيب خورشيد باشا وكان في الإسكندرية، فوافقه العلماء والمشائخ في ذلك على أن يكون هو نائبًا عنه في الأحكام بصفة «قائمقام»، وبعثوا إلى الباب العالي يخبرونه بذلك ويسترحمون تثبيت انتخابهم فأجيب طلبهم.
غير أن خورشيد باشا رأى محمد علي مستأثرًا بالنفوذ عليه بمن معه من الجند الألباني فخاف عاقبة ذلك فاستقدم جندًا مغربيًّا (الدالاتية أو الدلاة) يكونون له عونًا وقت الحاجة، فأدرك محمد علي قصده فوقف له بالمرصاد، ثم جعل الدالاتية يسيئون معاملة أهل القاهرة، وينهبون ويقتلون اعتمادًا على نفوذ الباشا، فسئم أهل القاهرة منهم ولا سيما المشائخ والعلماء.
وفي 2 صفر سنة 1220 ورد لمحمد علي خط شريف بولاية جدَّة، فألبسه خورشيد باشا الفروة والقاووق المختصين بهذه الرتبة وقد توسم قرب تخلصه منه، فخرج محمد علي يريد الذهاب إلى جدة وفي نفسه ألا يخرج من مصر، فقامت العساكر وطالبوه بالعلوفة فقال: «هذا هو الباشا طالبوه بها»، وسار إلى منزله في الأزبكية (قرب أوتيل شبرد) وهو ينثر الذهب على الناس فازدادوا له حبًّا ولخورشيد باشا كرهًا.
وبعد ثلاثة أيام (لا ندري ما دار في أثنائها بينه وبين علماء البلاد ومشائخها) سار المشائخ والعلماء جميعًا إلى محمد علي في منزله ينادون بصوت واحد: «لا نقبل خورشيد باشا واليًا علينا»، فقال: «ومن تريدون إذن؟» قالوا: «لا نريد أحدًا سواك» فامتنع أولًا وجعل يرغبهم في خورشيد ويحملهم على الإذعان والسكينة، وهم لا يزدادون إلا إصرارًا على طلبهم، فوافقهم فأحضروا له الكرك والقفطان وألبسوه إياهما، وبعثوا إلى خورشيد أن ينزل من القلعة فأبى، فحاصروه فيها، وكتبوا إلى الباب العالي بذلك فورد الفرمان بولاية محمد علي في 11 ربيع آخر سنة 1220ﻫ/9 يوليو1805 وعزل خورشيد باشا، فخرج هذا من القلعة بأمر من الآستانة، وغادر البلاد وفي نفسه من الغيظ على محمد علي ما ليس وراءه غاية.