أن تناقش قضية معاصرة فى رواية لهو أمر صعب فى الحقيقة وأن تتصدى لها وتصر على استكمال فكرتك وطرحك حتى النهاية فى نسيج مشوق لهو أمر أصعب وهذا الصعب هو ما تسلق جداره السيد شحتة فى روايته "ميتافيرس" الصادرة عن دار الفاروق قبل شهور وتحديدا فى معرض الكتاب 2023.
لنبدأ من القضية المركزية وهي الميتافيرس وعلينا فى البداية أن نفهم المصطلح يعنى باختصار الواقع الافتراضى وقد ظهرت الكلمة بشكل واسع الانتشار عندما طرح مارك زوكربيرج فكرته حول خضوع المستقبل لفكرة الواقع الافتراضي بمعنى أن يعيش الناس جزءا من حياتهم افتراضيا عبر الإنترنت والأسلاك.
المحاور الأساسية للرواية تتضمن بالإضافة إلى الميتافيرس جريمة قتل وشاب متزوج يتكسب من فيديوهات يوتيوب ويعتمد عليها كمصدر للدخل، ومجموعة ممن يقاومون الهجمات الإلكترونية على المؤسسات، وطبيب نفسى يتعامل طوال الوقت مع حالات متضررة بسبب الميتافيرس.
لنتأمل فى البداية حوار يكن اعتبارها مدخلا للرواية وهو الحوار الذى دار بين الدكتور شوكت وأبنائه على مائدة الطعام عن الفتاة التى تركت زوجها المستقبلى قبل موعد الزواج بفترة وجيزة لمجرد أنها شعرت أنه ليس زوجها المتخيل، وقف هنا عن كلمة "المتخيل"، فهنا يقسم السيد شحتة العالم إلى واقعى و"متخيل على هامش السوشيال ميديا"، فلم يعد الخيال هنا قاصرا على النعمة التى منحها الله الإنسان بل تجاوز ذلك إلى كونه محور الضرر وهو ما يمكن أن نسميه "خيال السوشيال ميديا" أو خيال الواقع الافتراضى، وهو أمر منطقى فإذا كان الميتافيرس افتراضيا فإنه بطبيعة الحال قائم فى تكوينه على الخيال لكنه خيال يستنزف العقل ويصيبه بالضرر.
الدكتور شوكت يعمل طبيبا نفسيا وهو فى مقطع من الرواية يحكى لأولاده عن حالة يعالجها وهي فتاة عاشت الواقع الخيالى عن طريق الميتافيرس مع براد بيت "هل تتخيل عزيزى القاريء.. براد بيت شخصيا!" .
فى حكاية أخرى امتقع وجه المبرمج خالد الوكيل بعد أن أفصحت له غادة خطيبته عن حقيقة الحلم الذى تعلق طويلا بخيالها بأن تلتقى الممثل الهندى شاروخان والذي أصبحت أخيرا قاب قوسين أو أدنى من بلوغه فلم يتمالك أعصابه وانفجر فيها غاضبا: هل قررتي أن تسافري إلى الهند من أجل الحصول على توقيعه".
وهنا كانت المفاجأة فقد ردت عليه ساخرة: بل هو الذي سيأتى إلى منزلى الليلة.
ثم قالت: يا أستاذ لا فارق بين شاب وفتاة في 2030.
وإلى الأستاذ صلاح كابر الذى نال علقة ساخنة على يد زوجته نعمات التى هشمت رأسه بعد أن ضبطته متلبسا بالحديث مع ليلى علوى " يعتقد هنا المؤلف أن الهوس بالممثلين والممثلين فى المستقبل بسبب الميتافيرس" وقد قالت الزوجة للرجل الكبير: "سأعلمك من اليوم الأدب من البداية حتى لا تطارد الممثلات على النت مرة أخرى يا صلاح".
شخصية نشأت أبو عايد تقدم عزفا آخر على معزوفة الميتافيرس فقد لفظ أنفاسه أثناء وجوده في ميتافيرس، وهو ما تحول إلى قضية جنائية كبرى تحقق فيها المباحث وتستدعى فيها الشهود والأطراف "بقية شخصيات الرواية".
لكن فيروس الميتافيرس لا يترك بيت الدكتور شوكت شخصيا الذى يمثل صوتا مهما فى الرواية فهو الذي يعالج مرضى الميتافيرس ممن يرتادون عيادته لعلاج الأمراض النفسية فها هى ابنته يارا تقع في حب شاب عن طريق الميتافيرس وهو ما يغضب الرجل بل إنه يتهم نفسه أيضا بالتصرف مع بناته بطريقة تفتقر إلى الحزم.
نحن هنا أمام نموذج متكامل عن مخاطر الميتافيرس وسيطرته الكاملة على حياة الناس، لكن السؤال الذى يطرح نفسه هل يمكن عمليا أن يسيطر الميتافيرس "اللقاء الافتراضى عبر الشاشات" على حياة الناس إلى هذه الدرجة فى عام 2030، وهل تتحول البوصلة باتجاهه إلى تلك الدرجة فمن يحبون يحبون بالميتافيرس ومن يكرهون يكرهون بالميتافيرس ومن يقتلون يقتلون بالميتافيرس؟ الإجابة التى يقدمها السيد شحتة هي نعم.
الملحوظة الثانية على الرواية هى إصرار السيد شحتة فى تجربته الروائية الأولى "له روايات أخرى تحت الطبع" على السير وراء خط واحد هو "الميتافيرس" فلم يترك خيطا واحدا ولا محورا دراميا آخر يفلت من هذا الموضوع، فجميع شخصيات الرواية إما يتفاعلون عبر الميتافيرس أو يعانون بسببه، أو يعيشون منه وفيه.
فى النهاية يقدم السيد شحتة نموذجا اجتماعيا متكاملا عن المستقبل صانعا رؤيته حول ما يمكن أن تصل إليه الأمور بادئا من سطوة السوشيال ميديا فى عالم اليوم مادا الخط على استقامته إلى المستقبل واضعا يده على ما يمكن أن يكون عليه شكل العالم بعد سنوات.