واصل مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور عبدالوهاب عبدالحافظ "رئيس المجمع" مؤتمره الدولي السنوي في دورته التاسعة والثمانين حيث عقد مؤتمر المجمع حلقة نقاشية حول "اللغة العربية بين الهُوية القومية والعولمة"؛ حيث أكَّد أ.د. يوسف خلف العيساوي "عضو المجمع المراسل من العراق" على أن التنمية اللغوية هي أساس التنمية البشرية الشاملة، فالنهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي مرتبطٌ بالنهوض اللغوي، والأُمة المهتدية لا تُبدِّل نمط ثقافة شعبها وأُسلوب تفكيره ليتأقلم مع لغة الثقافة الدخيلة؛ وإنَّما تروِّض ذلك كله ليتناسب مع لغتها وخصائصها الثقافية، وأنَّ اعتناء بلدان الأرض بهويتها غير مستغرب، والمتابع لما يصدر في هذا العنوان "الهُوية" يجد سهولة في الوصول إلى اعتناء كلِّ أُمَّة بهويتها، وأُسس مقوماتها.
وتساءل د. العيساوي: هل نشطنا نحن أبناء اليوم في الأمن اللغوي، والتخطيط اللغوي، والوعي اللغوي، والهندسة اللغوية؟ فمكانة اللغة في الهوية ليست صورة شكلية؛ فاللغة لها جملة وظائف على المستوى النفسي، وعلى رأسها: التفكير، والتعبير، وما يترتب عليهما من التواصل بين الأفراد، والتذوق والتعاطف، والمشاركة في الأعمال. فالعلاقة مطردة بين النمو العقلي والنمو اللغوي.
وطالب د.العيساوي بعدة مطالب تقوم على عدة محاور هى:
أنَّ تخطيط الأُمة التي تقوم عليه تنميتها وتقدمها المنشود يجب أنْ يتضمن المسألة اللغوية؛ لأنَّها في غاية الدقة، لأنَّ اللغات أساس الانطلاق الحضاري لكل أُمة.
-أن التشريع اللغوي ضروري للحفاظ على سلامة العربية، ليكون سندًا للعاملين في حقلها، ودعمًا للمجامع والمؤسسات العلمية؛ لأنَّ تأمين العربية فرض تكليف على السائس كما قيل.
-يجب إقرار العربية لغة للتعليم في جميع المستويات والتخصصات ولغة للبحث العلمي في أدق فروعه واحدثها، وهذا لا يتعارض مع تعلم لغات الأُمم المتطورة علميًا وتقنيًا بدون استثناء؛ لأنَّها ستسهم في الاقتراض العلمي الصحيح.
-أن التدريس بالعربية يدفع إلى التقدم ويخدم العلم، ويخلق أجيال قادرة على الفهم الدقيق والتطور السريع؛ لأنَّ اللغة القومية سلاح إن استعمل بذكاءٍ حقق النصر العلمي. -التعليم الناجح هو التعليم القادر على المواءمة بين التقدم العلمي ومتطلباته، ولا يكون ذلك إلَّا باللغة القومية؛ لأنَّ اللغة للإنسان هي الغذاء الروحي الذي يُنمّي شخصية الفرد في نطاق الأُمة، ويحفظ الأُمة حية في كيان الفرد.
-ضرورة التدريس بالعربية، والتخلي عن تعميم تدريس اللغات الأجنبية في وطن اللغة العربية؛ لما له من فوائد، منها: الاقتصاد في مالية التعليم، وتوجيه أعلى نسبة من الممارسة الثقافية لذهن المتعلمين إلى المسميات بدل الأسماء، والولوج التدريجي للعربية إلى جميع حقول العلم ومجالات العمل، واستفراد العربية بوظيفة التواصل في وطنها، فتقوى بالاستعمال، وتخرج من حلبة الصراع الداخلي الذي يهدِّدها بالزوال، وتراصّ الأفراد في المجتمع.
من جانبه نبَّه أ.د.صالح بلعيد (رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر) أن الشيء الذي نريده عندما نعالج مسألة الهوية هو أنه يجب أن نعلم أن الهوية تتمثل في التاريخ وتتمثل في اللغة، ونعلم أيضًا أن الهوية متغيرة؛ لأننا نعيش الآن زمانًا آخر. فكيف نقدم خطة تتماشى مع العولمة وتتماشى مع الذكاء الصناعي ومع البرمجيات الحديثة. لا يمكن أن نعزف الأوتار عن جمال اللغة العربية ونحن لم نقدم لها شيئًا.
وناشد د.بلعيد المجمعيين وأصحاب القرار أن يهتموا بالوضع العلمي الدقيق للغة العربية، على غرار كل ما تفعله الدول الأخرى؛ فهناك دول لا يتجاوز عدد سكانها أربعة ملايين، لكنها تُعِزّ وتقدِّس لغتها. الحمد لله اللغة العربية لغة جميلة ولكن لم نقدم لها شيئًا يجعلها أن تكون لغة العلم؛ فلابد أن نعتني بالفرد وبالتعليم، وأن نجعل العربية مهيأة لاستقبال الذكاء الصناعي.
وأكد د.محمود السيد (رئيس مجمع اللغة العربية السوري) أننا نحن حراس أمينون وصادقون وأوفياء لهذه اللغة الشريفة المقدسة؛ فمشكلتنا في اللغة العربية والهوية أننا نقول شيئًا ونفعل شيئًا آخر؛ فنحن بحاجة إلى من يقدم لنا الخطة الإنمائية لتعليم اللغة العربية. نحن بحاجة إلى تعليم اللغة على مستوى العلوم، نحن بحاجة الآن إلى خطة تعيد لنا الوعي لاستعمال اللغة العربية. نحن الآن نلجأ إلى اللغات الأجنبية، نحن الآن نموت ونذوب في العولمة. أين موقع اللغة العربية- وهي اللغة الخامسة في الأمم المتحدة- عندما نسمح لممثلينا في الأمم المتحدة أن يستعملوا اللغة الفرنسية أو اللغة الإنجليزية؟
وطالب د.السيد المجمعيين أن يقدموا لنا خطة عملية مرحلية تكون البريق في المتابعة؛ فاللغة العربية ليست بحاجة إلى شرطي، إنما هي بحاجة إلى استعمال. نريد أن نرفع نداء إلى جامعة الدول العربية عن طريق اتحاد مجامع اللغة العربية أن يعالجوا مسألة اللغة العربية في قمة من القمم العربية بشكل جماعي، وأن تكون هناك متابعة مستمرة لقرارات القمة العربية في هذا الشأن.
تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر المجمع قد ناقش في جلسته الصباحية المغلقة الأعمال العلمية المقدَّمة من لجان: معجم لغة الشعر العربي، والطب، والتربية وعلم النفس، والألفاظ والأساليب.
ومن الجدير بالذكر أن مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة يُعقد هذا العام عبر تقنية الـ(zoom) للسادة المشاركين من خارج مصر، ويشارك فيه رؤساء مجامع اللغة العربية والهيئات العليا للغة العربية في العالم العربي، وأعضاء مؤتمر المجمع وأعضاؤه المراسلون من العرب والمستعربين.