واصل مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ (رئيس المجمع) مؤتمره الدولي السنوي في دورته (89) الخميس 18 من مايو 2023م؛ حيث ألقى البروفيسور سيد رحمان سليمانوف (عضو المجمع المراسل من طاجيكستان) محاضرة بعنوان "المعجم العربي الطاجيكي الروسي الألفبائي ودوره في مواجهة العولمة الثقافية" ومفرداته (150) ألف مفردة.
وقد أشار د.سليمانوف - في البداية - إلى الرابطة الوثقى بين علم المعاجم والترجمة، وأوضح أن الترجمة من أهم الأعمال الثقافية الإنسانية التي لعبت دورًا مهمًّا في حياة البشر الحضارية وأصبحت جسرًا مهمًّا بين الشعوب الإنسانية المختلفة، وأنها عملية فكرية وذهنية ولغوية معقدة تتطلب إبداعًا مضاعفًا ممن يقوم بها، وأنها الأداة التي يمكننا بها مواكبة الحركة الفكرية والثقافية في العالم.
وأكد د.سليمانوف أن الإرث القديم للشعب الطاجيكي المؤلّف باللغة العربية والذي أصابته هيمنة العولمة العالمية لا يتأتى الحفاظ عليه إلا بإعداد المعاجم العلمية الحديثة التي تتواكب مع الزمن وتتجاوب مع مقتضيات العصر الحديث لا سيما المعاجم باللغات الأجنبية التي تُسمَّى في علم اللسانيات "المعاجم باللسانين أو بثلاث ألسنة"، مما يحتاج إلى التعاون بين البلدان لإعداد مثل تلك المعاجم.
وشدد د.سليمانوف على ضرورة التعاون الثقافي بين الجهات والمؤسسات الثقافية في العالم العربي وطاجيكستان لإحياء التراث الثقافي الإسلامي خاصة بعد استقلال جمهورية طاجيكستان؛ إذ أصبح تعليم اللغة العربية في المعاهد الطاجيكية أمرًا ضروريًّا وحيويًّا، لا سيما بعد استقلالها؛ إذ إن نقل الإرث الثقافي الطاجيكي القديم من اللغة العربية إلى اللغة الطاجيكية المعاصرة أمر يتعذر دون معرفة اللغة العربية، وكذلك فهم الدين، إذ ما تزال المفردات العربية المستخدمة في اللغة الطاجيكية- حتى يومنا هذا- تشكل نسبة تتراوح بين ثلاثين وأربعين بالمئة على أقل تقدير، والأغلبية العظمى للأسماء الطاجيكية عربية صرفة، فضلًا عن التعابير الدينية و الثقافية.
وأوضح سليمانوف أنه مما لا شك فيه أن الفضل في توطيد الروابط الثقافية بين اللغتين العربية والطاجيكية راجع إلى الدين الإسلامي الذي لاقى في طاجيكستان وجمهوريات آسيا الوسطى قبولًا وانتشارًا منذ القرون الوسطى، إذ صارت العربية – ولفترة زمنية طويلة – لغة الدين والأدب والعلم في طاجيكستان، واستخدم الطاجيك الحروف العربية لكتابة لغتهم الأصلية، ونبغ منهم عدد كبير ممن أسهموا في تاريخ الحضارة الإنسانية كـ(الشاعر رودكي، والبخاري، والترمذي، وابن سينا).
ونوَّه سليمانوف إلى أن تحقيق التواصل والتفاعل بين الشعوب المختلفة سواء أكان هذا التفاعل اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو اجتماعيًّا لا يكون إلا بإعداد المعاجم العربية باللغات الأخرى، وأنه من هذا المنطلق ولاحتياج الجامعات الطاجيكستانية إلى معجم شامل عربي طاجيكي وروسي أعدَّ المعجم العربي الطاجيكي الروسي الألفبائي الشامل؛ وذلك لندرة المعاجم العربية الطاجيكية أو الطاجيكية العربية، وعدم وفائها بالغرض إما لصغر حجمها وقلة المادة التي تحتويها، أو لغياب المنهجية في طريقة تأليفها، وقد بذل في إعداد معجمه: واحدًا وثلاثين سنة بجهد فردي، مشيرًا إلى أن وظيفته هي تيسير تعلم العربية لغير الناطقين بها، وهو بصدد طبعه بنسخ قليلة؛ وذلك لعدم الإمكانيات المالية.
وبيَّن سليمانوف إلى أن معجمه يحتوي على أكثر من مئة وخمسين ألف كلمة مرتبة ترتيبًا ألفبائيًّا في مجالات معرفية متعددة، كالعلوم والدين والآداب والفنون والأعلام، وأنها موضحة بلغة حية فصيحة بالأمثلة والشواهد المناسبة من قرآن وحديث وأمثال بالضبط الإعرابي، مبتعدًا عن الغريب والمهمل من الألفاظ، مما يجعله خادمًا للطلبة والمعلمين والمترجمين والمحققين، ودعمه بمعلومات تساعد الأجنبي في التعرف على جوانب مختلفة من العالم العربي كالتقويم في العربية، وأوزان الشعر العربي، والعلامات الإعرابية، ونبذة من علم النحو والصرف العربيين وأبرز قواعدها، ومعلومات مختصرة عن البلدان العربية وذكر عملتها وتاريخ استقلالها، والمصطلحات الدينية والعلمية والأدبية والفلسفية والسياسية ومعادلها المترجَم إلى اللغة الطاجيكية، والروسية.
وأشار سليمانوف إلى عدد من المعاجم العربية التراثية والحديثة، ودورها في حفظ اللغة العربية التي كانت في القرون الوسطى لغة العلم والفلسفة والدين، موضحًا أنه استفاد في معجمه منها ومن غيرها من المعاجم المتعددة باختلاف لغاتها، غير مُغْفِل إضافة ألفاظ علمية معربة بلفظها الأجنبي، لتداولها على ألسنة الدارسين والباحثين، غير مُغْفِل كذلك الأعلام والتعريف بهم، وقد قلَّل من عرض أسماء المواضع إلا الهامَّ منها؛ لأنّ كثيرًا من الأسماء قد تغير بمرور الزمن، واستقر على منهج لمعجمه، مشيرًا إلى أن جلَّ ما جاء في المعجم مأخوذٌ من المعاجم العربية القديمة والحديثة، ولكن له فضلٌ الترتيب المنهجي, وفضل أسلوب المعالجة المبتكرة، وفضل الابتعاد عن جفاف المعاجم ومصطلحاته المُرْبِك، وقد أوضح ترتيبه ومميزاته الأساسية:
1. وضع الكلمة مفردة، غير خاضعة لجذرها.
2. ترتب الأفعل في الماضي عند تتطابقها وفق الأبواب الستة عن الصرفيين للفعل الثلاثي، (نَصَرَ يَنْصُرُ)، و(ضَرَبَ يَضْرِبُ)، و(فَتَحَ يَفْتَحُ)، و(فَرِحَ يَفْرَحُ)، و(كَرُمَ يَكْرُمُ)، و(حَسِبَ يَحْسِبِ). مع إضافته للفعل المبني للمجهول قليلا كـ(سُقِطَ في يَدِهِ).
3. إثبات الماضي فالمضارع في جملة سهلة مضبوطة، إذ لا يظهر معناها في غير سياق.
4. إثبات اسم الفاعل والمفعول إلا إذا كانا شائعين أو لا حاجة لذكرهما.
5. إثبات الأسماء مرفوعة منكرة دائما.
6. إيراد الكلمات مذكرة إلا إذا كان المؤنث له دلالة خاصة.
7. عند تماثل الحروف بين أكثر من كلمة تُرتّب الكلمات حسب توالي الحركات: الفتحة فالضمة فالكسرة فالسكون.
8. تكتب الألف الممدودة (اء) كالألف اللينة ولا تعلوها علامة (~).
9. لا تميز الألف المقصورة (ى) في الترتيب من الألف اللينة أو الممدودة (آ).
10. عدم اعتبار الشدة وجعل الحرف المشدد كالحرف الواحد.
11. لا تُميّز التاء المفتوحة (ت) في الترتيب من التاء المربوطة (ة، ـة).
12. إيراد المفرد لا الجمع، باستثناء ما يغلب على استعماله صيغة الجمع كـ"أنقاض" إذ ترد في الألف، وأمام مفردها في نقض (ج أنقاض ونقوض).
13. تفصل الفاصلة (،) بين الكلمات الطاجيكية والروسية المترادفة، أما ذات الدلالات المختلفة يسيرا فتفصل بينهما الشولة المنقوطة (؛).
14. تدل النقطتان (:) على أن بعدهما تعريفا أو تفسيرا أو شرحا للمادة التي قبلهما.
15. يستعمل القوسان ( ) غالبا للإيضاح. فيمكن إغفال ما وضع ضمنهما.
16. إثبات الأسماء الدخيلة في مادة مستقلة حسب تسلسل حروفها.
17. إثبات المختصرات العلمية ورموزها مع الإشارة للعلم بالأحرف المختصرة بشرحها.
18. الإشارة إلى المعادل اللاتيني للعديد من العلوم.
وذيَّل سليمانوف كلمته بالإشارة للفتوحات العربية وتأثيرها على شعوب وسط آسيا ودخولها الإسلام وشيوع اللغة العربية فيها مما أثَّر على الأدب؛ إذ جعل اللغة الطاجيكية إحدى اللغات الفصيحة التي يحسن التعبير بها، وأوجدت لنا الأدب الطاجيكي الجديد.
وختم سليمانوف تقريره بكلمات ياقوت الحموي عن إحدى المدن المعاصرة والقديمة في طاجيكستان مدينة خجند:
ولم أر بلدة بإزاء شـرق * ولا غرب بأنزه من خجنده
هي الغراء تعجب من رآها * وهي بالفارسية دل مزننده.