قال الكاتب والشاعر العمانى زهران القاسمى، الذى وصلت روايته "تغريبة القافر" إلى جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، فى دورتها لعام 2023، أن حكايات القرى أجربته على الانتقال من كتابة الشعر إلى عالم الرواية.
وأوضح الكاتب العمانى زهران القاسمى، خلال حوار أجرته معه جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، أن الإنسان عبر العصور كان ارتباطه بالماء كبيرا، لذا نجد أن كبرى الحضارات قامت على ضفاف الأنهار، وأن علماء الانثروبيولوجيا يؤكدون بأن بداية الحياة على سطح الأرض بدأت من الماء، ولكن كيف لو أن هذه المادة التي تمنح الحياة للكائنات هي مصدر لموتها أيضا من خلال ندرتها أو فيضانها، كيف يتحول الماء إلى قاتل.
وأوضح زهران القاسمى أن الدلالة الأخرى هي أن الماء مورد من موارد الطبيعة وأن التبذير فيه وعدم استخدامه الاستخدام الأمثل سوف يؤدي إلى نضوبه، وهذه رسالة في غاية الأهمية للنظر إلى موارد طبيعية تقوم عليها الحياة واستقرار كثير من الدول أن تنظر في طريقة استهلاكها.
كما أوضح أن الماء أكثر من كونه مادة لري العطش، فهو المرآة الأولى التي أغوت نرسيس وجعلته يرى ذاته، فهو الذات السائلة والأنا العميقة التي نقع في حبها ونسعى لامتلاكها وقد يكون ذلك فيه الهلاك، إلا أننا نذهب بعيدا لها، الكثير من الدلائل تركتها للباحثين في أعماق النص لتفتح عليهم رؤاهم له.
وحول تأثير خلفيته ومكان إقامته في قرية عُمانية على كتابة الرواية، أوضح زهران القاسمى أن المطلع إلى الحياة ككل في سلطنة عمان سيجد أنها تعتمد اعتمادا كبيرا على نظام قديم في توفير الماء للشرب والفلاحة وهو نظام الأفلاج، الذي يعتبر نظاما اجتماعيا معقدا تدخل فيه التراتبية الاجتماعية والطبقية، ويقسم فيه الماء بحصص متساوية على مدار السنة ليأخذ كل أصحاب البساتين حقهم، ولأني من أبناء احد هذه القرى، أعرف الكثير منذ نعومة أظافري عن نظام الأفلاج وسمعت الكثير من القصص المدهشة والاساطير المتعلقة يهذا النظام، هذا أثرى محصلتي في كتابة العمل. تصورت بيئة العمل كقرية عمانية، تصورت طرقاتها وبساتينها، وحاراتها ، كان من السهل آن ذاك الاسترسال في كتابة فصول الرواية.
وحول انتقاله من الشعر إلى الرواية، وكيفية تأثير الشعر على كتابة السرد، أشار زهران القاسمى أن هذه البداية كانت في عام 2008 ففى هذا العام بدأ في كتابة عامود في ملحق أشرعة الثقافي بجريدة الوطن، كان تحت عنوان سيرة الحجر، وكانت النصوص في البداية شعرية، ولكنني وجدت نفسي متورطا في اقتحام بيئة السرد، لأنني بدأت استذكر الحكايات المتعلقة بالقرى، واستمر ذلك المشروع حتى استطعت كتابة ما يقرب من مئة نص تدور حكاياتها في القرى والتي كنت قد سمعت معظمها من الناس.
وتابع زهران القاسمى: عندما انتهيت من ذلك المشروع والذي لاقى استحسان القراء آن ذاك، قررت تحربة كتابة الرواية وكان في 2011، كتبت في تلك السنة روايتي الأولى ونشرتها ، أجزم أنها كانت الباب الذي فتح على الرواية.
وقال زهران القاسمى كنت أحاول جاهدا تفادي الوقوع في اللغة الشعرية، ولكن لأنني متورط في الشعر من قبل كانت الشعرية موجودة بين السطور وفي المشاهد، كان ذلك مهما في صناعة نصا لغته عالية ورصينة دون الانجرار في التهويمات اللغوية من جانب والاستفادة من الشعر من جانب آخر.
وحول الشخصيات النسائية في روايته، قال زهران القاسمى: المرأة تاريخيا هي من أنسنت البشر، هي من بدأت في التحول الحضاري وفي الزراعة، وكانت السبب في المثير من التحولات التاريخية المهمة، لذلك حاولت أن أركز على ذلك في العمل، كيف أن المرأة هي سبب التحولات أيضا التي طرأت على الشخصية الرئيسية في الرواية، فالقافر حتى يخرج إلى نور الحياة كان ذلك بسبب جرأة امرأة وهي كاذية، والمرأة التي اعتنت به وارضعته أيضا، ثم المرأة التي ساقه الحب إليها لتكون وطنه الكبير، كل تلك الشخصيات لها دور كبير في توجيه النص وفي خلق الشخصية.