قال الكاتب الجزائرى الصديق حاج أحمد، الذى وصلت روايته "منا" إلى جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، فى دورتها لعام 2023، أنه بدأ كتابة هذه الرواية فى عام 2017، وأن فكرتها الأساسية ترجع قبل عقدين ونصف من الزمن.
وأوضح الكاتب الجزائرى الصديق حاج أحمد، خلال حوار أجرته معه جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، أن فكرة رواية "منا" كانت حاضرة في هواجسه الإبداعية، عند نهاية رواية "كاماراد.. رفيق الحيف والضياع" سنة 2016؛ حيث قال: لكني وكعادتي آخذ فترة راحة بعد نهاية أي نص من النصوص الروائية، نظرا للإرهاق المصاحب لكتابة النص ومراجعته، قبل دفعه للطبع.
وأوضح الجزائرى الصديق حاج أحمد أن فكرة النص وثيمته، ترجع بالأساس قبل عقدين ونصف من الزمن، يوم كنتُ أُعدُّ أطروحتي بجامعة الجزائر المركزية، حيث اخترتُ دراسة شخصية أدبية كنتية من صحراء الأزواد.
وتابع الصديق حاج أحمد: قمتُ برحلة لتلك البوادي والخيام بشمال مالي، متنقلا من خيمة إلى أخرى، منقّبا عن آثار حياة تلك الشخصية، التي انبريتُ لدراستها يومئذ، فاسترعى انتباهي، لوعة الشيوخ، وتوجّع العجائز في حديثهم، عن مأساة الجفاف الذي ضرب مراتعهم ومراعيهم سنة 1973، وما أحدثه من فجائع، غيّرت مسار الصحراء الكبرى، مما أدى بالغالبية الناجية من الموت، بالفرار نحو دول الجوار، بعد هلاك مواشيهم؛ غير أن الذي استرعاني أكثر في تلك الهجرات، هو هجرة التوارق والعرب الحسّان لليبيا، ومقامرتهم مع القذافي في سمكة إبريله، التي قدّمها لهم كطعم، في أمنية الوطن المفقود بالأزواد، مما جعله يفتح لهم معسكرات التدريب، ويوظّفهم في حروب بالوكالة بجنوب لبنان وتشاد، ليعودوا بعد ذلك خائبين بخف حنين، الأمر الذي دعاهم للقيام بثورة في شمال مالي بمدينة منكا سنة 1990، ومن ثمّة قيام حرب الأزواد، التي لا تزال قائمة إلى يوم الناس هذا.
وأشار الصديق حاج أحمد إلى أن كتابة الرواية استغرقت مدّة أربع سنوات، بين تنقلات، وبحث في الأرشيف، ومقابلات مع أشخاص عايشوا الأحداث أيام الجفاف أو بليبيا أو بجنوب لبنان أو تشاد، حيث قمتُ بهدم ذلك أخيرا، وإعادة تشكيله وبنائه وفق متخيّل روائي، مبني على برنامج سردي محكم، موّظفا فيه معايشتي للثقافة التارقية والحسّانية، من خلال معرفتي الدقيقة بهذين الثقافتين، فيما قضيت السنة الخامسة في مراجعة النص.
وحول الأسئلة الكثيرة عن علاقة الكتابة الروائية بالتاريخ، رأى الكاتب الصديق حاج أحمد أن التخييل التاريخي مفخّخ.. فإذا انطلقنا من فرضية، أن كل تخييل، له معادل موضوعي من الواقع، فإن الرواية التاريخية، تكتسي خصوصية وحساسية في التعامل والتعاطي معها خلال الكتابة، بيد أن تخييل التاريخ، يرتبط بما يسمى المنطق السردي، الذي على الروائي أن يكون يقظا ومنتبها له، كما أن هناك أمر آخر أشد خطورة في التخييل التاريخي، وهو الزمن التاريخي للأحداث، في تاريخها الأصلي، وفي زمنها السردي بالنص، فخطأ واحد، قد ينسف العمل، ويجعله صفرا.
وحول الصحراء التى تحتل مكانة كبيرة فى وجدانه، قال الكثير لا يعلم أن تسريد الفراغ والسكون والخواء بالصحراء صعب وشاق.. فحتى تنجح في تسريد الصحراء، عليك أن تكون واعيا متأملا متفلسفا، في كتابتك عن هذا الفضاء، إذ كيف تتصرّف عندما يقتضي منك منطق السرد، أن تسافر بالبطل مسافة 1000 كلم في الخلاء والفراغ، ووحتى تتخطّى هذه المعضلة، عليك أن تكلّم الحجر، وتستنطق الرمل، وهذه هي المشكلة في سرديات الصحراء، المختلفة عن المدينة الضّاجة بالحركة العامرة بالأشياء، والتي يكون تحرك الأبطال ووصف المشاهد فيها أسهل بكثير من الصحراء، التي لا يمكنك أن تنجح في تسريدها، إلا برؤية وجودية فلسفية.