مات الخليفة المتوكل فى سنة 247 هجرية وتولى من بعده ابنه المنتصر، كما وقعت أحداث مهمة فى تلك السنة، فما الذى يقوله التراث الإسلامى؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير تحت عنوان "خلافة محمد المنتصر بن المتوكل":
قد تقدم أنه تمالأ هو وجماعة من الأمراء على قتل أبيه، وحين قتل بويع له بالخلافة فى الليل، فلما كان الصباح من يوم الأربعاء رابع شوال أخذت له البيعة من العامة، وبعث إلى أخيه المعتز فأحضره إليه فبايعه المعتز، وقد كان المعتز هو ولى العهد من بعد أبيه، ولكنه أكرهه وخاف فسلم وبايع، فلما أخذت البيعة له كان أول ما تكلم به أنه اتهم الفتح بن خاقان على قتل أبيه، وقتل الفتح أيضا، ثم بعث البيع له إلى الآفاق.
وفى ثانى يوم من خلافته: ولى المظالم لأبى عمرة أحمد بن سعيد، مولى بنى هاشم فقال الشاعر:
يا ضيعة الإسلام لماّ ولى * مظالم الناس أبو عمره
صيِّر مأمونا على أمة * وليس مأمونا على بعره
وكانت البيعة له بالمتوكلية، وهى المأحوزة، فأقام بها عشرة أيام، ثم تحول هو وجميع قواده وحشمه منها إلى سامرا.
وفيها: فى ذى الحجة أخرج المنتصر عمه على بن المعتصم من سامرا إلى بغداد، ووكل به.
وحج بالناس محمد بن سليمان الزينبي.
وفيها: توفى من الأعيان:
إبراهيم بن سعيد الجوهري، وسفيان بن وكيع بن الجراح، وسلمة بن شبيب.
أبو عثمان المازنى النحوي
واسمه: بكر بن محمد بن عثمان البصري، شيخ النحاة فى زمانه.
أخذه عن: أبى عبيدة والأصمعي، وأبى زيد الأنصاري، وغيرهم.
وأخذ عنه: أبو العباس المبرد وأكثر عنه.
وللمازنى مصنفات كثيرة فى هذا الشأن، وكان شبيها بالفقهاء ورعا زاهدا ثقةً مأمونا.
روى عنه المبرد: أن رجلا من أهل الذمة طلب منه أن يقرأ عليه كتاب سيبويه ويعطيه مائة دينار، فامتنع من ذلك.
فلامه بعض الناس فى ذلك فقال: إنما تركت أخذ الأجرة عليه لما فيه من آيات الله تعالى.
فاتفق بعد هذا أن جارية غنت بحضرة الواثق:
أظلوم إن مصابكم رجلا * رد السلام تحية ظلم
فاختلف من بحضرة الواثق فى إعراب هذا البيت، وهل يكون رجلا مرفوعا أو منصوبا، وبم نصب؟ أهو اسم أو ماذا؟
وأصرت الجارية على أن المازنى حفظها هذا هكذا.
قال: فأرسل الخليفة إليه، فلما مثل بين يديه قال له: أنت المازني؟
قال: نعم !
قال: من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم مازن قيس؟
فقلت: من مازن ربيعة.
فأخذ يكلمنى بلغتي، فقال: باسمك؟
وهم يقلبون الباء ميما والميم باء، فكرهت أن أقول مكر فقلت: بكر.
فأعجبه إعراضى عن المكر إلى البكر، وعرف ما أردت.
فقال: على م انتصب رجلا؟
فقلت: لأنه معمول المصدر بمصابكم.
فأخذ اليزيدى يعارضه فعلاه المازنى بالحجة، فأطلق له الخليفة ألف دينار، ورده إلى أهله مكرما.
فعوضه الله عن المائة الدينار - لما تركها لله سبحانه ولم يمكن الذمى من قراءة الكتاب لأجل ما فيه من القرآن - ألف دينار عشرة أمثالها.
روى المبرد عنه، قال: أقرأت رجلا كتاب سيبويه إلى آخره، فلما انتهى إلى آخره، قال لي: أما أنت أيها الشيخ فجزاك الله خيرا، وأما أنا فوالله ما فهمت منه حرفا.
توفى المازنى فى هذه السنة، وقيل: فى سنة ثمان وأربعين.